ظلماتها المجهولة (1) ناظر إلى ما قلناه.
الثالث: أن بعض المصنفين ربما يهدف من إيراد المجمل والمتشابه في كتابه إلى امتحان الآخرين، ليعرف آراءهم واتجاهاتهم بالنسبة إليه أو بالنسبة إلى كتابه.
فمن يرى أن المصنف حكيم لا يأتي بما هو لغو يتوقف في الحكم ويوكل علم المجمل والمتشابه إلى ذلك المصنف، وإذا كان في قلبه مرض وزيغ فيعمل بما تشابه منه من أجل الوصول إلى بعض أغراضه الفاسدة.
ولعل بعض المتشابهات القرآنية من هذا القبيل أيضا، ويؤيد ذلك قوله تعالى * (وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه) *. وإلى ما ذكرناه يشير كلام الشيخ محمد عبده من أن الله أنزل المتشابه ليمتحن قلوبنا في التصديق به، فإنه لو كان كل ما ورد في الكتاب معقولا واضحا لا شبهة فيه عند أحد من الأذكياء والبلداء لما كان في الإيمان شئ من معنى الخضوع لأمر الله والتسليم لرسله (2).
وبهذا أيضا قال آخرون (3).
الرابع: أنه ربما يكون بعض الكلام مفهوما للمخاطبين به في الصدر الأول حين تأليف الكتاب، من دون حاجة إلى قرائن لفظية لبيان المراد، بل يكفي نفس اللفظ في بيانها، ولكنه إذا طال الزمن ونسيت القرائن فلربما يصير مجهولا لا يفهم منه مطالعه شيئا، إلا من كان له اطلاع على الظروف والأحوال التي كانت تحيط به حين صدوره.
ويمكن أن تكون بعض المتشابهات القرآنية من هذا القبيل، وكمثال على ذلك نذكر أن قوله تعالى * (إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله) * (4).