والرواية على ما قاله العلامة الطباطبائي مستفيضة مروية في جوامع الحديث عن عدة من الصحابة... ومستفيضة أيضا من طرق الشيعة عن عدة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، كما في تفسير القمي عن النبي (صلى الله عليه وآله): لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، ولا تخطئون طريقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع، حتى أن لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه (1).
وأجيب عن هذا بأن ما يقع في هذه الأمة لا يلزم أن يكون مماثلا في جميع الجهات لما وقع في بني إسرائيل، بل يكفي المماثلة له في الجملة.
ويؤيد ذلك ما رواه الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: إجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم (2).
فإن من المعلوم أن سؤال المسلمين نبيهم لا يتفق مع سؤال بني إسرائيل نبيهم في جميع الجهات، بل هو شبيه له في الجملة، وهذا شاهد واضح على أنه يكفي في المماثلة اتحاد القضيتين في الجملة. فلعل المراد - كما قيل - أن هذه الأمة تشبه بني إسرائيل في الكتاب من جهة أنها سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كل فرقة تحتج لما تذهب إليه بالكتاب الكريم، وهو ليس إلا من جهة تحريفهم الكلم عن مواضعه، أي تفسيره بتفسيرات بعيدة عن مضمونه المقصود.
2 - إن كيفية جمع القرآن وتأليفه تستلزم عادة وقوع التغيير والنقص فيه، حيث إن أبا بكر قد أمر زيد بن ثابت بجمعه من الألواح وصدور الرجال، وأن لا يكتب آية فيه إلا بشهادة شاهدين على أنها من القرآن، ومن المعلوم أن زيدا وغيره لم يكونوا معصومين، ويحتمل أن لا يقف على جميع القرآن، لاحتمال بقاء بعض الآيات عند بعضهم.