قبلنا "، والمعروف أنه كان من جملة شروط صحة صيامهم الإمساك عن الرفث في الليل، فنسخ بقوله " أحل لكم... الخ ".
وأما إذا قلنا: إن التشبيه إنما هو في أصل الوجوب لا في جهات أخرى وفاقا لبعض العلماء (1) فلا تعارض بين الآيتين ولا نسخ في البين. نعم، تكون الآية الثانية ناسخة للحكم الثابت بالسنة.
ففي تفسير النعماني عن علي (عليه السلام): إن الله تعالى لما فرض الصيام فرض أن لا ينكح الرجل أهله في شهر رمضان على معنى صوم بني إسرائيل في التوراة، فكان ذلك محرما على هذه الأمة. وكان الرجل إذا نام في أول الليل قبل أن يفطر قد حرم عليه الأكل بعد النوم، أفطر أو لم يفطر، وكان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرف بمطعم بن جبير شيخا، فكان الوقت الذي حفر فيه الخندق حفر في جملة من المسلمين، وكان ذلك في شهر رمضان، فلما فرغ من الحفر وراح إلى أهله صلى المغرب، وأبطأت عليه زوجته بالطعام فغلب عليه النوم، فلما أحضرت الطعام أنبهته، فقال لها: استعمليها أنت، فإني قد نمت وحرم علي، وطوى ليلته وأصبح صائما، فغدا إلى الخندق فجعل يحفر مع الناس، فغشي عليه، فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حاله فأخبره، وكان من المسلمين شبان ينكحون نساءهم بالليل سرا لقلة صبرهم، فسئل النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك فأنزل عليه: " أحل لكم ليلة الصيام الرفث - إلى قوله تعالى: - وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " فنسخت الآية ما تقدمها.
والمراد من قوله (عليه السلام) " نسخت الآية ما تقدمها " أنها نسخت ما ثبت من الحكمين، وهما حرمة الرفث في الليل، وحرمة أكل الطعام والشراب إذا نام قبل أن يفطر، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) " لما فرض الصيام فرض أن لا ينكح الرجل أهله في شهر رمضان بالليل والنهار ". فالآية نسخت الحكمين اللذين ثبتا بالسنة، لا أنها نسخت ما يستفاد من قوله تعالى " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين