وأما الجواب فهو: أن جعل بيت من البيوت كالكعبة أو بناء من الأبنية أو الأجسام كبيت المقدس أو الحجر الواقع فيه قبلة ليس لاقتضاء ذاتي منه، يستحيل التعدي عنه، أو عدم إجابة اقتضائه، حتى يكون بيت المقدس في كونه قبلة لا يتغير حكمه ولا يجوز إلغاؤه، بل جميع الأجسام والأبنية وجميع الجهات التي يمكن أن يتوجه إليها الإنسان في أنها لا تقتضي حكما ولا تستوجب تشريعا على السواء، وكلها لله يحكم فيها ما يشاء وكيف يشاء (1).
وعليه، فيمكن القول: إن قوله تعالى " ولله المشرق والمغرب " ليس فيه إنشاء حكم مستحب أو واجب، بل أراد الله تعالى أن يدفع إشكالا أوردوه على تحويل القبلة، فهو يريد أن يقول: إن جميع الأرض شرقها وغربها عنده تعالى سيان، وله أن يأمر الناس أولا بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة، فلا إشكال.
ولكن يبقى في المقام سؤال هو: أنه كيف إذا يصح تمسك الأئمة (عليهم السلام) بقوله تعالى " أينما تولوا فثم وجه الله " على جواز الصلاة إلى غير القبلة، وذلك كما في الرواية المروية عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته، قال: يسجد حيث توجهت، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة، يقول " فأينما تولوا فثم وجه الله " (2).
فهذا الحديث يدل بظاهره على أن الآية في مقام إنشاء الحكم، حيث استدل بها الإمام، فكيف يصح ما تقدم من أنها ليست في مقام إنشاء الحكم؟
وأجيب بأنه لا تنافي بين ما قلناه وبين استدلال الإمام (عليه السلام) بالآية على جواز السجدة حيث توجهت، فإن ذكره (عليه السلام) للآية لعله لدفع توهم المستشكل، أي ليفهم أن جميع الجهات هي لله لا للاستدلال بها على الحكم الشرعي. إن الصلاة إذا كانت على الناقة إلى غير القبلة كانت صحيحة، لأن النافلة يشترط فيها فقط