وقال القوشجي: اتفق الجمهور على أن إعجاز القرآن لكونه الطبقة العليا من الفصاحة والدرجة القصوى من البلاغة، والمراد بالفصاحة في عبارة المتن ما هو أعم منها ومن البلاغة، وإطلاقها على هذا المعنى شائع. وقال بعض المعتزلة:
إعجازه لأسلوبه الغريب ونظمه العجيب، المخالف لما عليه كلام العرب في الخطب والرسائل والأشعار. وقال القاضي الباقلاني وإمام الحرمين: إن وجه الإعجاز هو اجتماع الفصاحة مع الأسلوب. - إلى أن قال: - وذهب النظام وكثير من المعتزلة والمرتضى إلى إعجازه بالصرفة، وهي أن الله تعالى صرف همم المتحدين عن معارضته، مع قدرتهم عليها (1).
والذي يبدو لنا هو أن احتمال الصرفة منفي، لأنه لا يناسب ظواهر الآيات القرآنية الدالة على أن عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن إنما لخصوصيته في القرآن نفسه، من الفصاحة والأسلوب وغيرهما من الامتيازات القرآنية، وهي:
1 - قوله تعالى * (قل أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * (2).
فيستفاد من هذه الآية - التي وقعت جوابا لقولهم * (لولا انزل عليه آيات من ربه) * - أن القرآن هو تلك الآية التي يطلبونها، وأنه كاف في ذلك، ولا سيما ملاحظة تعبيره تعالى بأن الكتاب يكفيهم، وإذا فالكتاب بنفسه هو الآية، وليست الآية هي منعهم عن معارضته والإتيان بمثله، كما هو مقتضى القول بالصرفة.
2 - قوله تعالى * (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) * (3) ونظيره قوله تعالى * (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) * (4).
والمستفاد من هذه الآية أنهم تعجبوا من حسن نظم القرآن وأسلوبه، فقالوا:
هو سحر، أو أساطير الأولين، فلو كان عدم تمكنهم من معارضته هو منعه تعالى لهم عن ذلك لكان المناسب أن يقولوا: إننا نتمكن من مجارات الآيات القرآنية،