وقوله: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) معناه: ومن يكفر بالقرآن أو بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم من مشركي العرب، وفرق الكفار كاليهود والنصارى وغيرهم، فالنار موعده ومصيره ومستقره. وفي الحديث: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يسمع بي أحد من الأمة، لا يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي، إلا كان من أصحاب النار (فلا تك في مرية) أي: في شك (منه) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد جميع المكلفين.
وقيل: إن تقديره لا تك أيها الانسان، أو أيها السامع في مرية من ربك، أي: من أمره وإنزاله (إنه الحق من ربك) الهاء راجع إلى القرآن. وقيل: إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: معناه إن الخبر الذي أخبرتك به حق من عند الله تعالى.
(ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) بصحته وصدقه، لجهلهم بالله تعالى، وجحدهم لنبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أي: لا أحد أظلم منه، إلا أنه خرج مخرج الاستفهام، ليكون أبلغ (أولئك يعرضون على ربهم) يوم القيامة أي: يوقفون موقفا يراهم الخلائق للمطالبة بما عملوا، ويسألون عن أعمالهم، ويجازون عليها (ويقول الأشهاد) يعني الملائكة يشهدون على العباد، وهم الحفظة، عن مجاهد. وقيل: هم الأنبياء، عن الضحاك. وقيل: هم شهداء كل عصر من أئمة المؤمنين (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) أي: كذبوا على رسل ربهم، وأضافوا إلى الله ما لم ينزله.
(ألا لعنة الله على الظالمين) هذا ابتداء خطاب من الله تعالى. وقيل: هو من كلام الأشهاد، ومعناه: ألا لعنة الله على الذين ظلموا أنفسهم بإدخال الضرر عليها وغيرهم، بإحلال الآلام عليهم ولعنة الله: إبعاده من رحمته. ثم وصف سبحانه الظالمين الذين لعنهم فقال: (الذين يصدون عن سبيل الله) أي: يغوون الخلق، ويصرفونهم عن دين الله، وقد يكون ذلك بإلقاء الشبهة إليهم، وقد يكون أيضا بالترغيب، والترهيب، والإطماع، والتهديد، وغير ذلك. وإنما جاز تمكين الصاد عن سبيل الله من هذا الفساد، لأنه مكلف بالامتناع منه، وليس في منعه لطف بأن ينصرف عن الفساد إلى الصلاح، فهو كشهوة القبيح الذي به يصح التكليف (ويبغونها عوجا) أي: ويطلبون لسبيل الله زيغا عن الاستقامة، وعدولا عن الصواب. وقيل: إن بغيهم العوج: هي زيادتهم ونقصانهم في الكتاب، ليتغير الأدلة، ولا يستقيم صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما كان يفعلها اليهود. وقيل: هي إيرادهم