نفر، أو ثلاثة، يستهزؤون ويضحكون، وأحدهم يضحك ولا يتكلم، فنزل جبريل، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فدعا عمار بن ياسر، وقال: إن هؤلاء يستهزؤون بي و بالقرآن، أخبرني جبرائيل بذلك، ولئن سألتهم ليقولن كنا نتحدث بحديث الركب.
فاتبعهم عمار، وقال لهم: مم تضحكون؟ قالوا: نتحدث بحديث الركب. فقال عمار: صدق الله ورسوله، احترقتم أحرقكم الله. فأقبلوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتذرون، فأنزل الله تعالى الآيات، عن الكلبي، وعلي بن إبراهيم، وأبي حمزة.
وقيل: إن رجلا قال في غزوة تبوك: ما رأيت أكذب لسانا، ولا أجبن عند اللقاء من هؤلاء - يعني رسول الله وأصحابه - فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق. وأراد أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فجاء وقد سبقه الوحي. فجاء الرجل معتذرا، وقال: إنما كنا نخوض ونلعب، ففيه نزلت الآية، عن ابن عمر، وزيد بن أسلم، ومحمد بن كعب. وقيل: إن رجلا من المنافقين قال: يحدثنا محمد ان ناقة فلان بوادي كذا وكذا، وما يدريه ما الغيب! فنزلت الآية، عن مجاهد. وقيل:
نزلت في عبد الله بن أبي، ورهطه، عن الضحاك.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عنهم فقال (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم) فيه قولان أحدهما: إنه إخبار بأنهم يخافون أن يفشوا سرائرهم، ويحذرون ذلك، عن الحسن، ومجاهد، والجبائي، وأكثر المفسرين.
والمعنى: إنهم يحذرون من أن ينزل الله عليهم أي: على النبي والمؤمنين، سورة تخبر عما في قلوبهم من النفاق والشرك. وقد قيل: إن ذلك الحذر إنما أظهره على وجه الاستهزاء، لا على سبيل التصديق، لأنهم حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينطق في كل شئ، عن الوحي، قال بعضهم لبعض: إحذروا ألا ينزل وحي فيكم، يتناجون بذلك، ويضحكون، عن أبي مسلم. وقيل: إنهم كانوا يخافون أن يكون عليه السلام، صادقا، فينزل عليه الوحي، فيفتضحون، عن الجبائي. وقيل: إنهم كانوا يقولون القول فيما بينهم، ثم يقولون: عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا، عن مجاهد.
والثاني: إن هذا اللفظ لفظه الخبر، ومعناه الأمر، فهو كقولك: ليحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تخبرهم بما في قلوبهم من النفاق، وحسن ذلك لأن موضع الكلام على التهديد (قل استهزءوا) معناه: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين: استهزءوا أي:
اطلبوا الهزء، وهو وعيد بلفظ الأمر (إن الله مخرج ما تحذرون) أي: مظهر ما