مسند إلى المفعول به، وهو قوله (ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) ولو كان (ننجي) مسندا إلى الفاعل، كقول من خالفه، لكان لا نرد بأسنا، أشبه، ليكون مثل المعطوف عليه. ومن قرأ (تصديق الذي بين يديه) وما بعده بالرفع فيكون التقدير لكن هو تصديق الذي بين يديه، وتفصيل كل شئ. فحذف المبتدأ وبقي الخبر.
اللغة: استيأس: بمعنى يئس، كأنه طلب اليأس لعلمه بامتناع الأمر.
والبأس: الشدة وهو شدة الأمر على النفس ومنه البؤس: الفقر. ومنه: لا بأس عليك. والقصص: الخبر يتلو بعضه بعضا من أخبار من تقدم. والعبرة: الدلالة التي تعبر إلى البغية. والألباب: العقول، واحدها لب، وإنما سمي بذلك لأنه أنفس شئ في الانسان. ولب كل شئ: خياره.
المعنى: ثم أخبر سبحانه وتعالى عن حال الرسل مع أممهم، تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (حتى إذا استيأس الرسل) وهاهنا حذف يدل الكلام عليه، وتقديره: إنا أخرنا العقاب عن الأمم السالفة المكذبة لرسلنا، كما أخرناه عن أمتك يا محمد، حتى إذا بلغوا إلى حالة يأس الرسل عن إيمانهم، وتحقق يأسهم باخبار الله تعالى إياهم (وظنوا أنهم قد كذبوا) أي: تيقن الرسل أن قومهم كذبوهم تكذيبا عاما، حتى إنه لا يصلح وأحد منهم، عن عائشة، والحسن، وقتادة، وأبي علي الجبائي. ومن خفف فمعناه ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم من نصر الله إياهم، وإهلاك أعدائهم، عن ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وابن زيد، والضحاك، وأبي مسلم. وقيل: يجوز أن يكون الضمير في (ظنوا) راجعا إلى الرسل أيضا، ويكون معناه: وعلم الرسل أن الذين وعدوهم الإيمان من قومهم، أخلفوهم، أو كذبوا فيما أظهروه من الإيمان.
وروي أن سعيد بن جبير، والضحاك اجتمعا في دعوة، فسئل سعيد بن جبير في هذه الآية كيف يقرأها، فقال: وظنوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف، بمعنى وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم. فقال الضحاك: ما رأيت كاليوم قط، لو رحلت في هذه إلى اليمن، لكان قليلا. وروي أن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: كانوا بشرا، فضعفوا ويئسوا، وظنوا أنهم قد أخلفوا، ثم تلا قوله تعالى (حتى يقول الرسول) (والذين آمنوا معه متى نصر الله) الآية. وهذا بعيد. وقد بينا ما فيه.