زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا، فظنوا أنهم قد أخلفوا، لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد.
حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا المؤمل قال: حدثنا إسماعيل بن علية، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير في قوله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) قال: إن الرسل يئسوا من قومهم أن يؤمنوا، وإن قومهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما قالوا لهم أتاهم نصر الله عند ذلك. وأما قوله (فننجي من نشاء) فإن ننجي حكاية للحال لأن القصة مما قد مضى، وإنما حكى فعل الحال كما كانت عليه، كما أن قوله (وإن ربك ليحكم بينهم) حكاية للحال الكائنة، وكما أن قوله (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) فلولا حكاية الحال، لم يعمل اسم الفاعل، لأنه إذا مضى اختص، وصار معهودا، فخرج بذلك من شبه الفعل.
ألا ترى أن الفعل لا يكون معهودا، فكما أن اسم الفاعل إذا وصف أو حقر، لم يعمل عمل الفعل لزوال شبه الفعل عنه بالاختصاص الذي يحدثه فيه التحقير والوصف، كذلك إذا كان ماضيا. وأما النون الثانية من (ننجي) فهي مخفاة مع الجيم، وكذلك النون مع سائر حروف الفم، لا تكون إلا مخفاة. قال أبو عثمان:
تبيينها معها لحن، وللنون مع الحروف ثلاث أحوال: الإدغام، والإخفاء، والبيان.
وإنما تدغم إذا كانت مع مقاربها كما يدغم سائر المقاربة فيما يقاربه. والإخفاء، فيها مع حروف الفم التي لا تقاربها. والبيان فيها مع حروف الحلق. فأما حذف النون الثانية من الخط، فيشبه أن يكون لكراهة اجتماع المثلين فيه، ألا ترى أنهم كتبوا مثل: العليا والدنيا، ويحيا، ونحو ذلك بالألف، فلولا اجتماعها مع الياء، لكتبت بالياء، كما كتبت، حبلى، ويخشى، وما لم يكن فيه ياء من هذا النحو بالياء، فكأنهم لما كرهوا اجتماع المثلين في الخط، حذفوا النون. وقوى ذلك أنه لا يجوز فيها إلا الإخفاء، ولا يجوز فيها البيان، فأشبه بذلك الإدغام، لأن الإخفاء لا يبين فيه الحرف المخفي، كما أن الإدغام لا يبين فيه الحرف المدغم بيانه في غير الإدغام.
فلما وافق النون المدغم في هذا الوجه، استجيز حذفه من الخط. ومن ذهب إلى أن النون الثانية مدغمة في الجيم، فقد غلط، لأنها ليست مثل الجيم، ولا مقاربة لها.
وإذا خلا الحرف من هذين الوجهين، لم يدغم فيما اجتمع معه. ومن قرأ (فنجي) فإنه أتى على لفظ الماضي، لأن القصة ماضية، ويقوي ذلك أنه عطف عليه فعل