فقيل: بالتزويج، وكان يجوز في شرعه تجويز المؤمنة من الكافر، وكذا كان يجوز أيضا في مبتدأ الاسلام، وقد زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنته من أبي العاص بن الربيع قبل أن يسلم ثم نسخ ذلك. وقيل: أراد التزويج بشرط الإيمان، عن الزجاج، وكانوا يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم. وقيل: إنهم كان لهم سيدان مطاعان فيهم، فأراد أن يزوجهما، بنتيه: زعوراء ورتياء (فاتقوا الله) أي: فاتقوا عقاب الله في مواقعة الذكور (ولا تخزون في ضيفي) أي: لا تلزموني عارا، ولا تلحقوا بي فضيحة، ولا تخجلوني بالهجوم على أضيافي، فإن الضيف إذا نزل به معرة، لحق عارها للمضيف (أليس منكم رجل رشيد) أي: أليس في جملتكم رجل قد أصاب الرشد، فيعمل بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويزجر هؤلاء عن قبيح فعلهم؟
ويجوز أن يكون رشيد بمعنى مرشد أي: يرشدكم إلى الحق.
(قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) هذا جواب قوم لوط حين عرض عليهم بناته، ودعاهم إلى النكاح المباح أي: ما لنا في بناتك من حاجة، لأن ما لا يكون للانسان فيه حاجة، فإنه يرغب عنه كما يرغب عما لا حق له فيه. فلذلك قالوا: (من حق). وقيل: معناه ما لنا فيهن من حق، لأنا لا نتزوجهن. وكانوا يقرون بأن من لم يتزوج بامرأة، فإنه لا حق له فيها، عن الجبائي، وابن إسحاق.
فالقول الأول محمول على المعنى، والقول الثاني على ظاهر اللفظ (وإنك لتعلم ما نريد) أي: تعلم ميلنا إلى الغلمان دون النساء. فلما لم يقبلوا الموعظة، تأسف لوط على فقد تمكنه من دفاعهم بأن (قال لو أن لي بكم قوة) أي: منعة، وقدرة، وجماعة، أتقوى بها عليكم، فأدفعكم عن أضيافي (أو آوي إلى ركن شديد) أو أنضم إلى عشيرة منيعة تنصرني، وشيعة تمنعني، لدفعتكم، ولكن لا يمكنني أن أفعل ذلك.
قال الصادق عليه السلام: فقال جبرائيل لو يعلم أي قوة له! قال: فكابروه حتى دخلوا البيت، فصاح به جبرائيل أن يا لوط دعهم يدخلوا. فلما دخلوا، أهوى جبرائيل بإصبعه نحوهم، فذهبت أعينهم، وهو قوله (فطمسنا أعينهم) قال قتادة:
ذكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد لوط إلا في عز من عشيرته، ومنعة من قومه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: رحم الله أخي لوطا، كان يأوي إلى ركن شديد، وهو معونة الله تعالى! ولما رأت الملائكة ما لقيه لوط من قومه (قالوا يا لوط إنا رسل