المجرمون (82).
القراءة: قرأ أهل الكوفة، غير عاصم: (بكل سحار) بالتشديد. والباقون:
(ساحر) على وزن فاعل. وقرأ أبو جعفر، وأبو عمرو: (السحر) بقطع الألف ومدها على الاستفهام. والباقون: (السحر) موصولة على الخبر.
الحجة: قد بينا الوجه في سحار وساحر في سورة الأعراف. وأما قوله (السحر) فإن (ما) في قوله (ما جئتم به) في موضع رفع بالابتداء، و (جئتم) في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ، والكلام استفهام. و (السحر) بدل من (ما) المبتدأ، ولزم أن يلحق (السحر) الاستفهام، ليساوي المبدل منه في أنه استفهام.
ألا ترى أنه ليس في قولك السحر استفهام؟ وعلى هذا قالوا: كم مالك أعشرون، أم ثلاثون؟ فجعلت العشرون والثلاثون بدلا من كم، وألحقت أم لأنك في قولك: كم درهما مالك؟ مدع أن له مالا، كما أنك في قولك: أعشرون أم ثلاثون مالك؟
مدع أحد الشيئين، ولا يلزم أن تضمر للسحر خبرا على هذا، لأنك إذا أبدلت من المبتدأ، صار في موضعه، وصار ما كان خبرا لما أبدلت منه في موضع خبر البدل.
ومن قرأ: (ما جئتم به السحر) كان (ما) في قوله موصولا، و (جئتم به) الصلة، والهاء المجرورة عائدة على الموصول، وخبر المبتدأ الذي هو الموصول السحر. ومما يقوي هذا الوجه ما زعموا أنه في حرف عبد الله: (ما جئتم به سحر) فعلى هذا يكون تقديره الذي جئتم به السحر، وعلى الوجه الأول، وهو أن يكون (ما) استفهاما، فتقديره: أي شئ جئتم السحر. وأما وجه الاستفهام مع علم موسى أنه سحر، فإنه مثل قوله (أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) في أنه للتقرير.
المعنى: (وقال فرعون) حكى الله سبحانه عن فرعون أنه حين أعجزه المعجزات التي ظهرت لموسى عليه السلام، ولم يكن له في دفعها حيلة، قال لقومه:
(ائتوني بكل ساحر عليم) بالسحر بليغ في عمله، وإنما طلب فرعون كل ساحر، ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى، وحتى لا يفوته شئ من السحر بتأخر بعضهم.
وإنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله، وليس بسحر، وبعد ذلك علم أنه ليس بسحر، فعائد كما قال سبحانه (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب