من زجرهم عنه، لأن الله تعالى يكفيه أمرهم. ومعناه: فإلى الله فوضت أمري، وبه وثقت أن يكفيني أمركم (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) معناه: فاعزموا على أمركم مع شركائكم، واتفقوا على أمر واحد من قتلي وطردي، ولا تضطربوا فيه فتختلف أحوالكم فيما تلقونني به، وهذا تهديد في صورة الأمر. وقيل: معناه اعزموا على أمركم، وادعوا شركاءكم. فبين عليه السلام أنه لا يرتدع عن دعائهم، وعيب آلهتهم، مستعينا بالله عليهم، واثقا بأنه سبحانه يعصمه منهم. وقيل: أراد بالشركاء الأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله. وقيل: أراد من شاركهم في دينهم.
(ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) أي: لا يكن أمركم عليكم غما وحزنا، بأن ترددوا فيه. وقيل: معناه ليكن أمركم ظاهرا مكشوفا، ولا يكونن مغطى مبهما مستورا، من غممت الشئ، إذا سترته. وقيل: معناه لا تأتوه من غير أن تتشاوروا، ومن غير أن يجتمع رأيكم عليه، لأن من حاول أمرا من غير أن يعلم كيف يتأتى ذلك، كان أمره غمة عليه. (ثم اقضوا إلي ولا تنظرون) أي: انهضوا إلي فاقتلوني، إن وجدتم إليه سبيلا، ولا تؤخروني، ولا تمهلوني، عن ابن عباس.
وقيل: معنى اقضوا إلى: افعلوا ما تريدون، وادخلوا إلى، لأنه بمعنى افرغوا من جميع حيلكم، كما يقال: خرجت إليك من العهدة. وقيل: معناه توجهوا إلى.
وروي عن بعضهم أنه قرأ (ثم أفضوا إلي) أي: أسرعوا إلي من الفضاء، لأنه إذا صار إلى الفضاء، تمكن من الإسراع. وهذا كان من معجزات نوح عليه السلام لأنه كان وحيدا مع نفر يسير، وقد أخبر بأنهم لا يقدرون على قتله، وعلى أن ينزلوا به سوءا، لأن الله تعالى ناصره وحافظه عنهم.
(فإن توليتم) أي: ذهبتم عن الحق واتباعه، ولم تقبلوه، ولم تنظروا فيه (فما سألتكم من أجر) أي: لا أطلب منكم أجرا على ما أؤديه إليكم من الله فيثقل ذلك عليكم. وقيل: معناه إن أعرضتم عن قبول قولي، لم يضرني، لأني لم أطلع فيما لكم، فيفوتني ذلك بتوليكم عني، وإنما يعود الضرر عليكم (إن أجري إلا على الله) أي: ما أجري إلا على الله في القيام بأداء الرسالة (وأمرت أن أكون من المسلمين) أي: أمرني الله بأن أكون من المستسلمين لأمر الله بطاعته ثقة بأنها خير ما يكتسبه العباد.
(فكذبوه) يعني أنهم كذبوا نوحا أي: نسبوه إلى الكذب فيما يذكره من أنه