الذين يكذبون على الله أنه يصيبهم يوم القيامة على افترائهم على الله أي: لا ينبغي أن يظنوا أن يصيبهم على ذلك إلا العذاب الشديد، والعقاب الأليم (إن الله لذو فضل على الناس) بما فعل بهم من ضروب الإنعام (ولكن أكثرهم لا يشكرون) نعمه، ويجحدونها. وهذا الكلام خرج مخرج التقريع على افتراء الكذب، وإن كان في صورة الاستفهام، وتقديره: أيؤديهم افتراؤهم الكذب إلى خير أم شر. وقيل: إن معنى قوله (لذو فضل على الناس) أنه لم يضيق عليهم بالتحريم كما ادعيتم ذلك عليه. وقيل: معناه إنه لذو فضل على خلقه بترك معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا، وإمهاله إياهم إلى يوم القيامة.
ثم بين سبحانه أن إمهاله إياهم، ليس لجهل بحالهم، فقال: (وما تكون في شأن) أي: ما تكون أنت يا محمد في حال من الأحوال، وفي أمر من أمور الدين، من تبليغ الرسالة، وتعليم الشريعة، وغير ذلك (وما تتلوا منه من قرآن) أي: وما تقرأ من الله من قرآن. وقيل: من الكتاب من قرآن، والقرآن يقع على القليل والكثير منه. وقيل: إن الهاء تعود إلى الشأن أي: وما تتلو من الشأن من قرآن.
(ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا) أي: ولا تعمل أنت وأمتك من عمل إلا كنا عالمين به، شاهدين عليكم به (إذ تفيضون فيه) أي: تدخلون فيه، وتخوضون فيه (وما يعزب عن ربك) أي: وما يبعد، وما يغيب عن علم ربك، ورؤيته، وقدرته (من مثقال ذرة) أي: وزن نملة صغيرة (في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك) من وزن نملة (ولا أكبر إلا في كتاب مبين) أي: في كتاب بينه الله فيه قبل أن خلقه، وهو اللوح المحفوظ. وقيل. أراد به كتاب الحفظة الذي كتبه الملائكة السفرة، وحفظوه. وقال الصادق عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قرأ هذه الآية بكى بكاء شديدا النظم: قيل في اتصال الآية الأولى بما قبلها: انها اتصلت بقوله: (قل من يرزقكم من السماء والأرض) فإذا قرأوا أنه الرزاق قيل لهم: أجعلتم ما رزقكم بعضه حراما، وبعضه حلالا، عن أبي مسلم. وقيل: لما وصف القرآن بأنه هدى ورحمة، وأمرهم بالتمسك بما فيه، عقبه بذكر مخالفتهم لما جاء في القرآن، وتحريمهم ما أحل الله.