بمضمر استغني عن ذكره لدلالة ما تقدم عليه، وهو قوله (قد جاءتكم موعظة من ربكم) كما أن قوله: (الآن وقد عصيت) قيل: يتعلق الظرف فيه بمضمر يدل عليه ما تقدم من الفعل، وكذلك قوله: (الآن وقد كنتم به تستعجلون). فأما قوله:
(فبذلك فليفرحوا) فإن الجار في قوله: (فبذلك) يتعلق بفليفرحوا، لأن هذا الفعل اتصل بالباء. قال: وفرحوا بها. وقال: وفرحت بما قد كان من سيديكما. فأما الفاء في قوله (فليفرحوا) فزيادة يدلك على ذلك أن المعنى فافرحوا بذلك، ومثل هذه الآية قول الشاعر: (وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي) فالفاء في قوله (فاجزعي) زيادة كما كانت الفاء في قوله (فليفرحوا) زيادة، ولا تكون الزيادة الأولى لأن الظرف إنما يتعلق باجزعي.
فأما من قرأ (فلتفرحوا) بالتاء: فإنه اعتبر الخطاب الذي قبل وهو قوله: (قد جاءتكم موعظة) وزعموا أنها في حرف أبي (فافرحوا) قال أبو الحسن: وزعموا أنها لغة، وهي قليلة نحو لنضرب وأنت تخاطب. فأما من قرأ (هو خير مما تجمعون) بالتاء: فعلى أنه عنى المخاطبين والغيب جميعا إلا أنك غلبت المخاطبة على الغيبة.
ومن قرأ بالياء كان المعنى فافرحوا بذلك أيها المؤمنون، أي: إفرحوا بفضل الله ورحمته، فإن ما أتاكموه من الموعظة شفاء لما في الصدور ثلج اليقين النفس بالإيمان، وسكون النفس إليه خير مما يجمعه غيركم من أعراض الدنيا ممن فقد هذه الحال التي حزتموها.
المعنى: لما تقدم ذكر القرآن، وما فيه من الوعد والوعيد، عقبه سبحانه بذكر جلالة موقع القرآن، وعظم محله في باب الأدلة، فقال: (يا أيها الناس) خطاب لجميع الخلق، وتنبيه لهم، ويقال: إنه خطاب لقريش (قد جاءتكم موعظة من ربكم) يعني القرآن، والموعظة: بيان ما تجب أن يحذر عنه، ويرغب فيه. وقيل:
هي ما يدعو إلى الصلاح، ويزجر عن الفساد (وشفاء لما في الصدور) الشفاء: معنى كالدواء لإزالة الداء، فداء الجهل أضر من داء البدن، وعلاجه أعسر، وأطباؤه أقل، والشفاء منه أجل. والصدر: موضع القلب، وهو أجل موضع في البدن، لشرف القلب.
(وهدى) أي: ودلالة تؤدي إلى معرفة الحق (ورحمة للمؤمنين) أي: ونعمة لمن تمسك به، وعمل بما فيه، وخص المؤمنين بالذكر، وإن كان القرآن موعظة