لأنه لو لم يطلقه على يد ذلك الانسان، لم يجئ منه شئ، فلا يطلق اسم الرزاق إلا على الله تعالى. ويقيد في غيره كما لا يطلق اسم الرب إلا عليه، ويقيد في غيره، فيقال رب الدار، ورب الضيعة، ولا يجوز أن يخلق الله حيوانا يريد تبقيته إلا ويرزقه، لأنه إذا أراد بقاءه فلا بد له من الغذاء (أمن يملك السمع والأبصار) معناه:
أم من يملك أن يعطيكم الأسماع، والأبصار، فيقويها وينورها، ولو شاء لسلب نورها وحسها.
(ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) قيل: معناه ومن يخرج الانسان من النطفة، والنطفة من الانسان. وقيل: معناه ومن يخرج الحيوان من بطن أمه إذا ماتت أمه، ويخرج غير التام، ولا البالغ حد الكمال من الحي.
وقيل: معناه ومن يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن (ومن يدبر الأمر) أي: ومن الذي يدبر جميع الأمور في السماء والأرض على ما توجبه الحكمة (فسيقولون الله) أي: فسيعترفون بأن الله تعالى يفعل هذه الأشياء، وان الأصنام لا تقدر عليها.
(فقل أفلا تتقون) أي: فقل لهم عند اعترافهم بذلك: أفلا تتقون عقابه في عبادة الأصنام. وفي الآية دلالة على التوحيد، وعلى حسن المحاجة في الدين لأنه سبحانه حاج به المشركين. وفيها دلالة على أنهم كانوا يقرون بالخالق، وإن كانوا مشركين، فإن جمهور العقلاء يقرون بالصانع سوى جماعة قليلة من ملحدة الفلاسفة، ومن أقر بالصانع على هذا صنفان: موحد يعتقد أن الصانع واحد لا يستحق العبادة غيره، ومشرك، وهم ضربان: فضرب جعلوا لله شريكا في ملكه، يضاده ويناوئه، وهم الثنوية والمجوس، ثم اختلفوا فمنهم يثبت لله شريكا قديما كالمانوية، ومنهم من يثبت شريكا محدثا كالمجوس. وضرب آخر لا يجعل لله شريكا في حكمه وملكه، ولكن يجعل له شريكا في العبادة، يكون متوسطا بينه وبين الصانع، وهم أصحاب المتوسطات.
ثم اختلفوا: فمنهم من جعل الوسائط من الأجسام العلوية كالنجوم والشمس والقمر. ومنهم من جعل المتوسط من الأجسام السفلية كالأصنام ونحوها، تعالى الله عما يقول الزائغون عن سبيله علوا كبيرا (فذلكم الله) ذلك إشارة إلى اسم الله تعالى الذي وصفه في الآية الأولى بأنه الذي يرزق الخلق، ويخرج الحي من الميت،