غائب، لأن كل من أقام الغائب مقام من يخاطبه، جاز له أن يرده إلى الغائب، قال كثير:
أسيئي بنا، أو أحسني لا ملومة لدينا، ولا مقلية إن تقلت (1) وقال عنترة:
شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم (2) وقوله: (فلما أنجاهم إذا هم يبغون) المعنى، فلما أنجاهم بغوا.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن ذميم فعالهم، فقال: (وإذا أذقنا الناس رحمة) يريد بالناس الكفار، فهو عموم يراد به الخصوص (من بعد ضراء مستهم) أي:
راحة ورخاء بعد شدة وبلاء، وحقيقة الذوق فيما له طعم يوجد إنما يكون طعمه بالفم، وإنما قال أذقناهم الرحمة على طريق البلاغة، لشدة إدراك الحاسة إياها (إذا لهم مكر في آياتنا) أي: فهم يحتالون لدفع آياتنا بكل ما يجدون السبيل إليه من شبهة، أو تخليط في مناظرة، أو غير ذلك من الأمور الفاسدة. وقال مجاهد: مكرهم استهزاؤهم وتكذيبهم. (قل) يا محمد لهم (الله أسرع مكرا) أي: أقدر جزاء على المكر، ومعناه أن ما يأتيهم من العقاب أسرع مما أتوه من المكر أي أوقع في حقه.
وقيل: إن مكره سبحانه إنزاله العقوبة بهم من حيث لا يشعرون. (إن رسلنا) يعني الملائكة الحفظة (يكتبون ما تمكرون) أي ما تدبرون من سوء التدبير.
وفي هذا غاية الزجر والتهديد من وجهين أحدهما أنه يحفظ مكرهم والآخر أنه أقدر على جزائهم وأسرع فيه. ثم امتن الله سبحانه على خلقه، بأن عدد نعمه التي يفعلها بهم في كل حال، فقال (هو الذي يسيركم في البر والبحر) أي: يمكنكم من المسير في البر والبحر، بما هيأ لكم من آلات السير، وهي خلق الدواب وتسخيرها لكم لتركبوها في البر، وتحملوا عليها أثقالكم، وهيأ السفن في البحر، وإرسال الرياح المختلفة التي تجري بالسفن في الجهات المختلفة.