(حتى إذا كنتم في الفلك) خص الخطاب براكب البحر أي: إذا كنتم راكبي السفن في البحر (وجرين بهم) أي: وجرت السفن بالناس لما ركبوها، عدل عن الخطاب إلى الإخبار عن الغائب، تصرفا في الكلام. على أنه يجوز أن يكون خطابا لمن كان في تلك الحال، وإخبارا لغيرهم من الناس (بريح طيبة) أي: بريح لينة يستطيبونها.
(وفرحوا بها) أي: سروا بتلك الريح لأنها تبلغهم مقصودهم، عن أبي مسلم. وقيل: فرحوا بالسفينة حيث حملتهم وأمتعتهم (جاءتها ريح عاصف) أي:
جاءت للسفينة ريح عاصف، شديدة الهبوب الهائلة (وجاءهم الموج من كل مكان) من البحر. والموج: اضطراب البحر، ومعناه. وجاء راكبي البحر الأمواج العظيمة من جميع الوجوه.
(وظنوا أنهم أحيط بهم) أي: أيقنوا أنهم دنوا من الهلاك. وقيل: غلب على ظنهم أنهم سيهلكون لما أحاط بهم من الأمواج (دعوا الله) عند هذه الشدائد والأهوال، والتجأوا إليه ليكشف ذلك عنهم (مخلصين له الدين) أي: على وجه الإخلاص في الاعتقاد، ولم يذكروا الأوثان والأصنام لعلمهم بأنها لا تنفعهم ههنا شيئا، وقالوا: (لئن أنجيتنا) يا رب (من هذه) الشدة (لنكونن من الشاكرين) أي: من جملة من يشكرك على نعمك. وقوله: (جاءتها ريح عاصف) جواب قوله: (إذا كنتم في الفلك). وقوله: (دعوا الله) جواب قوله (وظنوا أنهم أحيط بهم).
(فلما أنجاهم) أي: خلصهم الله تعالى من تلك المحن (إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) أي: يعملون فيها بالمعاصي والفساد، ويشتغلون بالظلم على الأنبياء، وعلى المسلمين (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا) أي: بغي بعضكم على بعض، وما ينالونه به متاع في الدنيا، وإنما تأتونه لحبكم العاجلة، وإيثارها على ما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات. وقد مر بيانه من قبل.
(ثم إلينا مرجعكم) في الآخرة (فننبئكم بما كنتم تعملون) أي: نخبركم بأعمالكم، لأنا أثبتناها عليكم، وهي كلمة تهديد ووعيد.
النظم: قيل إنما اتصل قوله (هو الذي يسيركم) الآية، بما قبله، لأنه تفسير لبعض ما أجمل في الآية المتقدمة التي هي قوله: (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد