والدعاء: طلب الفعل بما يقع لأجله. والداعي إلى الفعل: خلاف الصارف عنه والفرق بين الدعاء والأمر أن في الأمر ترغيبا في الفعل، وزجرا عن تركه، وله صيغة تنبئ عنه. والدعاء ليس كذلك، وكلاهما طلب. وأيضا فإن الأمر يقتضي أن يكون المأمور دون الأمر في الرتبة، والدعاء يقتضي أن يكون فوقه.
المعنى: لما تقدم ما يوجب الترغيب في الآخرة، والتزهيد في الدنيا، عقبه سبحانه بذكر صفة الدارين، فقال: (إنما مثل الحياة الدنيا) أي: صفة الحياة الدنيا، أو شبه الحياة الدنيا في سرعة فنائها وزوالها (كماء أنزلناه من السماء) وهو المطر (فاختلط به) أي: بذلك المطر (نبات الأرض) لأن المطر يدخل في خلل النبات، فيختلط به. وقيل: معناه فاختلط بسببه بعض النبات بالبعض، فاختلط ما يأكل الناس بما يأكل الأنعام، وما يقتات بما يتفكه.
ثم فصل ذلك فقال: (مما يأكل الناس) كالحبوب، والثمار، والبقول (والأنعام) كالحشيش وسائر أنواع المراعي. وقد قيل في المشبه والمشبه به في الآية أقوال: أحدها أنه تعالى شبه الحياة الدنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثم الانقطاع وثانيها أنه شبهها بالنبات على ما وصفه من الاغترار به، ثم المصير إلى الزوال، عن الجبائي، وأبي مسلم وثالثها أنه تعالى شبه الحياة الدنيا بحياة مقدرة على هذه الأوصاف.
(حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) أي: حسنها وبهجتها بأنواع الألوان، وأجناس النبات، وغير ذلك (وازينت) أي: تزينت في عين رائيها (وظن أهلها) أي: مالكها (أنهم قادرون عليها) أي: على الانتفاع بها، ومعناه: بلغت المبلغ الذي ظن أهلها أنهم يحصدونها، ويقدرون على غلتها، أو إدامتها (أتاها أمرنا ليلا أو نهارا) أي: أتاها عذابنا من برد أو برد. وقيل: معناه أتاها حكمنا وقضاؤنا بإهلاكها، وإتلافها.
(فجعلناها حصيدا) أي: محصودة، ومعناه: مقطوعة، مقلوعة، ذاهبة، يابسة (كأن لم تغن بالأمس) أي: كأن لم تقم على تلك الصفة بالأمس. ومعناه:
كأن لم تكن، ولم توجد من قبل. (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) أي: مثل ذلك نميز الآيات لقوم يتفكرون فيها، فيعتبرون بها.