الآن فقد فرغت إلى نمير * فهذا حين صرت لهم عذابا وفي التنزيل: (سنفرغ لكم أيها الثقلان) أمكن أن يكون الفعل يعدى باللام، كما يعدى بإلى وباللام في قوله: (بأن ربك أوحى لها). فلما كان معنى قضى فرغ تعلق بها إلى كذلك تعلق بقضي، ووجه قراءة ابن عامر لقضى إليهم أجلهم على اسناد الفعل إلى الفاعل، ان الذكر قد تقدم في قوله (ولو يعجل الله للناس) فقال لقضى على هذا، ومن حجته في ذلك قوله: (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) فهذا الأجل الذي في هذه الآية، هو الأجل المضروب للمحيا، كما أن الأجل في قوله لقضي إليهم أجلهم، كذلك. فكما أسند الفعل في الأجل المضروب للحياة إلى الفاعل في قوله ثم قضى أجلا عند الجميع، كذلك أسنده ابن عامر في قوله (لقضى إليهم أجلهم) إلى الفاعل، ولم يسنده إلى الفعل المبنى للمفعول. ويدل على أن الأجل في قوله: (ثم قضى أجلا) أجل المحيا أن قوله: (وأجل مسمى عنده) أجل البعث يبين ذلك قوله: (ثم أنتم تمترون) أي: أنتم أيها المشركون تشكون في البعث، ومن قرأ: لقضي، فبنى الفعل للمفعول به، فلأنه في المعنى، مثل قول من بنى الفعل للفاعل.
الاعراب: قوله: (لجنبه) في موضع نصب على الحال، تقديره دعانا منبطحا لجنبه، أو دعانا قائما. ويجوز أن يكون تقديره إذا مس الانسان الضر لجنبه، أو مسه قاعدا، أو مسه قائما، دعانا. وموضع (الكاف) من (كذلك): نصب على مفعول ما لم يسم فاعله أي: زين للمسرفين عملهم مثل ذلك.
المعنى: ثم عاد الكلام إلى ذكر المائلين إلى الدنيا، المطمئنين إليها، الغافلين عن الآخرة، فقال: (ولو يعجل الله للناس الشر) أي: إجابة دعوتهم في الشر، إذا دعوا به على أنفسهم وأهاليهم، عند الغيظ والضجر، واستعجلوه مثل قول الانسان رفعني الله من بينكم، وقوله لولده: اللهم العنه، ولا تبارك فيه (استعجالهم بالخير) أي: كما يعجل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوها (لقضي إليهم أجلهم) أي: لفرغ من إهلاكهم، ولكن الله تعالى لا يعجل لهم الهلاك، بل يمهلهم حتى يتوبوا. وقيل: معناه ولو يعجل الله للناس العقاب الذي استحقوه بالمعاصي، كما يستعجلونهم خير الدنيا، وربما أجيبوا إلى ما سألوه إذا اقتضت المصلحة ذلك، لفنوا، لأن بنية الانسان في الدنيا لا تحتمل عقاب الآخرة، بل لا