إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويخلوا ديارهم، ولكن لينفر إليه من كل ناحية طائفة، لتسمع كلامه، وتتعلم الدين منه، ثم ترجع إلى قومها، فتبين لهم ذلك، وتنذرهم، عن الجبائي قال: والمراد بالنفر هنا: الخروج لطلب العلم، وإنما سمي ذلك نفرا لما فيه من مجاهدة أعداء الدين. قال القاضي أبو عاصم: وفي هذا دليل على اختصاص الغربة بالتفقه، وأن الانسان يتفقه في الغربة ما لا يمكنه ذلك في الوطن.
ثم بين سبحانه ما يجب تقديمه، فقال: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) أي: قاتلوا من قرب منكم من الكفار، الأقرب منهم فالأقرب، في النسب والدار. وقال الحسن: كان هذا قبل الأمر بقتال المشركين كافة. وقال غيره: هذا الحكم قائم الآن لأنه لا ينبغي لأهل كل بلد ان يخرجوا إلى قتال الأبعد، ويدعوا الأقرب والأدنى، لأن ذلك يؤدي إلى الضرر، وربما يمنعهم ذلك عن المضي في وجهتهم، إلا أن يكون بينهم وبين الأقرب موادعة، فلا بأس حينئذ بمجاوزة الأقرب إلى الأبعد، على ما يراه المتولي لأمور المسلمين. ولو قال سبحانه: قاتلوا الأبعد فالأبعد، لكان لا يصح، لأنه لا حد للأبعد يبتدئ منه، كما للأقرب، وفي هذا دلالة على أنه يجب على أهل كل ثغر الدفاع عن أنفسهم إذا خافوا على بيضة الاسلام، وإن لم يكن هناك إمام عادل.
وقال ابن عباس: أمروا أن يقاتلوا الأدنى فالأدنى من عدوهم، مثل قريظة، والنضير، وخيبر، وفدك. وقال ابن عمر: إنهم الروم، لأنهم سكان الشام، والشام أقرب إلى المدينة من العراق، وكان الحسن إذا سئل عن قتال الروم، والترك، والديلم: تلا هذه الآية (وليجدوا فيكم غلظة) أي: شجاعة، عن ابن عباس.
وقيل: شدة، عن مجاهد. وقيل: صبرا على الجهاد، عن الحسن. والمعنى:
وليحسوا منكم بضد اللين، وخلاف الرقة، وهو العنف والشدة، ليكون زجرا لهم.
(واعلموا أن الله مع المتقين) عن الشرك أي: معينهم وناصرهم، ومن كان الله ناصره لم يغلبه أحد، فأما إذا نصره سبحانه بالحجة، فإنه يجوز أن يغلب بالحرب لضرب من المحنة، وشدة التكليف. ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين، فقال سبحانه: (وإذا ما أنزلت سورة) في القرآن (فمنهم) أي: من المنافقين (من يقول) على وجه الانكار أي: يقول بعضهم لبعض (أيكم زادته هذه) السورة (إيمانا) وقيل: معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف: أيكم زادته