فوجدوا في أنفسهم في ذلك حرجا، وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فأنزل الله، عز وجل، هذه الآية، عن مجاهد.
المعنى: لما تقدم الترغيب في الجهاد بأبلغ أسباب الترغيب، وتأنيب من تخلف عنه بأبلغ أسباب التأنيب، بين في هذه الآية موضع الرخصة في تأخر من تأخر عنه، فقال سبحانه: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة)، وهذا نفي معناه النهي أي: ليس للمؤمنين أن ينفروا ويخرجوا إلى الجهاد بأجمعهم، ويتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فريدا وحيدا. وقيل: معناه ليس عليهم أن ينفروا كلهم من بلادهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليتعلموا الدين، ويضيعوا ما وراءهم، ويخلوا ديارهم، عن الجبائي.
(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) اختلف في معناه على وجوه أحدها: ان معناه فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة، ويبقى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماعة، ليتفقهوا في الدين، يعني الفرقة القاعدين، يتعلمون القرآن، والسنن، والفرائض، والأحكام، فإذا رجعت السرايا، وقد نزل بعدهم قرآن، وتعلمه القاعدون، قالوا لهم إذا رجعوا إليهم: إن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنا، وقد تعلمناه. فتتعلمه السرايا فذلك قوله (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) أي: وليعلموهم القرآن، ويخوفوهم به إذا رجعوا إليهم (لعلهم يحذرون) فلا يعملون بخلافه، عن ابن عباس، في رواية الوالبي، وقتادة، والضحاك، وقال الباقر عليه السلام: كان هذا حين كثر الناس، فأمرهم الله أن تنفر منهم طائفة، وتقيم طائفة للتفقه، وأن يكون الغزو نوبا.
وثانيها: إن التفقه والإنذار يرجعان إلى الفرقة النافرة، وحثها الله تعالى على التفقه، لترجع إلى المتخلفة فتحذرها، ومعنى (ليتفقهوا في الدين): ليتبصروا ويتيقنوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين، ونصرة الدين، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد، فيخبروهم بنصر الله النبي، والمؤمنين، ويخبروهم أنهم لا يدان لهم بقتال النبي والمؤمنين، لعلهم يحذرون أن يقاتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار، عن الحسن، وأبي مسلم.
قال أبو مسلم. اجتمع للنافرة ثواب الجهاد، والتفقه في الدين، وإنذار قومهم.
وثالثها: إن التفقه راجع إلى النافرة، والتقدير ما كان لجميع المؤمنين أن ينفروا