(رضي الله عنهم ورضوا عنه) أخبر سبحانه أنه رضي عنهم أفعالهم، ورضوا عن الله سبحانه، لما أجزل لهم من الثواب على طاعاتهم، وإيمانهم به، ويقينهم (وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) أي: يبقون ببقاء الله منعمين (ذلك الفوز العظيم) أي: الفلاح العظيم الذي يصغر في جنبه كل نعيم.
وفي هذه الآية دلالة على فضل السابقين، ومزيتهم على غيرهم، لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين، فمنها: مفارقة العشائر والأقربين، ومنها: مباينة المألوف من الدين، ومنها: نصرة الاسلام، وقلة العدد، وكثرة العدو، ومنها:
السبق إلى الإيمان، والدعاء إليه.
واختلف في أول من أسلم من المهاجرين، فقيل: ان أول من آمن خديجة بنت خويلد، ثم علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو قول ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس، وزيد بن أرقم، ومجاهد، وقتادة، وابن إسحاق، وغيرهم. قال انس: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين، وصلى علي عليه السلام، وأسلم يوم الثلاثاء. وقال مجاهد، وابن إسحاق: إنه أسلم وهو ابن عشر سنين، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أخذه من أبي طالب، وضمه إلى نفسه يربيه في حجره، وكان معه حتى بعث نبيا.
وقال الكلبي: إنه أسلم وله تسع سنين. وقيل: اثنتا عشرة سنة، عن أبي الأسود.
قال السيد أبو طالب الهروي: وهو الصحيح.
وفي تفسير الثعلبي: روى إسماعيل بن أياس بن عفيف، عن أبيه، عن جده عفيف، قال: كنت امرأ تاجرا، فقدمت مكة أيام الحج، فنزلت على العباس بن عبد المطلب، وكان العباس لي صديقا، وكان يختلف إلى اليمن، يشتري العطر، فيبيعه أيام الموسم. فبينما أنا والعباس بمنى، إذ جاء رجل شاب حين حلقت الشمس في السماء، فرمى ببصره إلى السماء، ثم استقبل الكعبة، فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى جاء غلام، فقام عن يمينه، فلم يلبث أن جاءت امرأة، فقامت خلفهما. فركع الشاب، فركع الغلام والمرأة، فخر الشاب ساجدا، فسجدا معه. فرفع الشاب، فرفع الغلام والمرأة، فقلت: يا عباس! أمر عظيم! فقال: أمر عظيم! فقلت:
ويحك ما هذا؟ فقال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، يزعم أن الله بعثه رسولا، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذا الغلام علي بن أبي طالب، وهذه المرأة خديجة بنت خويلد وزوجة محمد، تابعاه على دينه. وأيم الله!