قال إمام عصره الشيخ " محمد أنور الكشميري، ثم الديوبندي " رحمه الله تعالى:
كان الحافظ جمال الدين الزيلعي، من المشائخ الصوفية، الذين ارتاضت نفوسهم بالمجاهدات، وتزكت قلوبهم عن الرذائل والشهوات، كما كان من أكابر المحدثين الحفاظ، بحور العلم والحديث، وترى من آثار تزكية نفسه أنه لا يتعصب لمذهبه شيئا، بل يمشى مع الخصوم، ويسايرهم بغاية الانصاف.
وبمثل هذه الميزة امتاز الشيخ الحافظ، تقى الدين بن دقيق العيد، رحمه الله، وبين علماء عصره، وكان هو أيضا من أكار الصوفية، صاحب كرامات، لا يتعصب لأهل مذهبه، وربما يقصد في تحقيقه إفادة الحنفية وتأييدهم، وحاشاه أن يبخس حقهم، ومثله منا - في الجمع بين طريقة القوم، وبين علوم الشريعة، ثم النصفة والعدل - الشيخ المحقق ابن الهمام، وصاحب " فتح القدير "، ونقل عنه - رحمه الله -: أن الشيخ ابن الهمام كل ما ذكره في " فتحه " من أدلة مذهبنا، مستفاد من تخريج الامام الزيلعي، ولم يزد عليه دليلا، إلا في ثلاث مواضع: منها مسالة المهر. وقدر ما يجب. أفاد الكوثري: أن من مؤلفات الامام الزيلعي مختصر " معاني الآثار " - للطحاوي، وهو من محفوظات مكتبة - رواق الأتراك - بالأزهر، والكوبريلي - بالآستانة - اه.
أما وفاة هذا الامام الجليل، فقد اتفقت كلمتهم، ممن ترجم له - كابن حجر. وابن فهد. والسيوطي. والتميمي. والكفوي - على وفاته في " المحرم سنة اثنتين، وستين، وسبعمائة " - 762 - هجرية، وزاد ابن فهد تعيينه: " بالحادي عشر من المحرم "، ولم يتعرض أحد منهم، لذكر تاريخ ولادته، ولم أظفر بها، مع تتبع، ودفن بالقاهرة، واتفقت به كلمة من تعرض لوفاته، والعجب أنه لم يعين أحد قبره، ولا جهته، من أصحاب التراجم، ورجال الطبقات، والمؤلفين. في خطط القاهرة، وآثار مصر:
كالمقيزي. وغيره، والمتصدين لذكر مزارات الأولياء، وقبور الصالحين بالقاهرة، كالسخاوي. وغيره، إلا أن على باشا مبارك في " الخطط التوفيقية " ذكر عند ذكر، شارع باب الوزير، في: ص 103 - ج 2، عطفة الزيلعي، وقال: عرفت بضريح الشيخ الزيلعي المدفون بها، اه. فلله أعلم.
خصائص هذا الكتاب الجليل قد سمعت أوال علماء الأمة، وحفاظ الحديث في حق المؤلف، الامام الحافظ الجهبذ، وأغنتنا كلماتهم الموجزة عن الاطناب في مدحه، بيد أنى أحاول أن أشير إلى لمعة من خصائص مؤلفه هذا، " نصب الراية - لتخريج أحاديث الهداية "، ليكون من بدء الامر، بصيرة لاولى. الابصار، وبصرا لأرباب البصائر، فيقع الكتاب في جذر