المعالم وفيه تألم لان ذلك خلاف الظاهر من الاخبار الثاني إذا لاقي هذا الدم جسم برطوبة ثم لاقي الجسم بدن صاحب الدم أو ثوبه فهل ثبت فيه العفو أم لا فيه وجهان استقرب ثانيهما المصنف في المنتهى والنهاية قصرا للرخصة على مورد النص ولم اطلع على هذا الفرع في كلام غيره لكنهم ذكروا نظيره في الدم القليل المعفو عنه فاختار جماعة العفو بتقريب ان المتنجس بالشئ أضعف حكما منه وهذا التقريب يجرى ههنا ويمكن ان يستفاد من الروايات ثبوت العفو في العرق ونحوه مما يقع الانفكاك عنه نادرا الثالث ذكر المصنف في عدة من كتبه انه يستحب لصاحب القروح والجروح غسل ثوبه في كل يوم مرة واحتج عليه بأن فيه تطهيرا غير مشق فكان مطلوبا لرواية سماعة قال سألته عن الرجل به القرح أو الجروح فلا يستطيع ان يربطه ولا يغسل دمه قال يصلى ولا يغسل ثوبه الا كل يوم مرة فإنه لا يستطيع ان يغسل ثوبه كل ساعة والوجه الأول ضعيف واما الثاني فغير بعيد التعويل عليه وإن كان الخبر ضعيفا بناء على ما عرفت مرارا من المساهلة في أدلة السنن وعن ما دون سعة الدرهم البغلي من الدم المسفوح مجتمعا نقل المصنف والمحقق وغيرهما اجماع الفرقة عليه ولم ينقل أحد منهم خلافا في هذه المسألة الا انه يلوح من كلام ابن أبي عقيل نوع مخالفة فيها فقد حكى عنه المصنف في المختلف أنه قال إذا أصاب ثوبه دم فلم يره حتى صلى فيه ثم رآه بعد الصلاة وكان الدم على قدر الدينار غسل ثوبه ولم يعد الصلاة وإن كان أكثر من ذلك أعاد الصلاة ولو رآه قبل صلاته أو علم أن في ثوبه دما ولم يغسله حتى صلى غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا وقد روى أنه لا إعادة عليه الا ان يكون أكثر من مقدار الدينار وتدل عليها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في دم البراغيث قال ليس به باس قال قلت إنه يكثر ويتفاحش قال وان كثر قال قلت فالرجل يكون في ثوبه نفط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلى ثم يذكر بعدما صلى أيعيد صلاته قال يغسله ولا يعيد صلاته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة وحسنة محمد بن مسلم قال قلت له الدم يكون في الثوب علي وانا في الصلاة قال إن رايته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل وان لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشئ رايته أو لم تره فإذا كنت قد رايته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه ورواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته وان لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة ومرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام انهما قالا لا باس بان يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه النضح وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا باس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم وكذا نقل المصنف في غير واحد من كتبه اجماع الفرقة على عدم العفو عن الزائد عن الدرهم ويدل عليه الأخبار الدالة على نجاسة الدم وما دل على وجوب طهارة الثوب في الصلاة والاخبار المذكورة في هذه المسألة واختلف الأصحاب فيما كان بمقدار الدرهم فذهب الأكثر منهم الصدوقان والشيخان والفاضلان إلى وجوب ازالته والمنقول عن المرتضى وسلار القول بالمعفو عنه حجة الأول يرجع إلى وجوه الأول ان مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل النجاسة وكثيرها لقوله عليه السلام انما يغسل الثوب من البول والغائط والمني والدم وهذا اللفظ باطلاقه يقتضي وجوب إزالة الدم كيف كان فيترك منه ما وقع الاتفاق على العفو عنه حسب وعليه اعتمد المحقق في المعتبر الثاني قوله تعالى وثيابك فطهر وهو عام تركناه فيما نقص عن الدرهم بدليل مختص به فيبقى غيره مندرجا تحت العموم ولا يخفى ان اتمام هذا الدليل يتوقف على اثبات العموم في الآية وان المراد بالتطهير المعنى العرفي وذلك لا يخلو عن اشكال الثالث صحيحة عبد الله بن أبي يعفور السابقة فإنها دالة على إعادة الصلاة مع النسيان وهو ينافي العفو الرابع مرسلة جميل بن دراج السابقة الخامس رواية إسماعيل الجعفي السابقة فإنه علق فيها الحكم بعدم الإعادة على وصف الأقلية فينتفي بانتفائه عملا بمفهوم الشرط وهذا الوجه ضعيف جدا السادس ان الذمة مشغولة بالصلاة يقينا و لا تحصل البراءة اليقينية الا بإزالته فيجب واحتج الآخرون بحسنة محمد بن مسلم السابقة وبان الله تعالى أباح الصلاة في قوله إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا عند تطهير الأعضاء الأربعة فلو تعلقت الإباحة بغسل نجاسة لكان ذلك زيادة لا تدل عليها وبرواية إسماعيل الجعفي فإنه علق فيها الحكم بالإعادة على وصف الأكثرية فينتفي عند انتفائه و أجاب المصنف عن الأول بان محمد بن مسلم لم يسنده إلى امام وعدالته وإن كان يقتضى الاخبار عن الامام الا ان ما ذكرناه من الأحاديث لا لبس فيه وعن الثاني بان الآية لا تدل على الإباحة عند تطهير الأعضاء الأربعة بل على اشتراط تطهيرها في الصلاة وعن الثالث بأنه لم يذكر في الرواية حديث المساواة والمفهومان فيها متعارضان وفي جوابه الأول نظر لما أشرنا إليه مرارا من أن ذلك غير ضائر إذ من المعلوم بحسب القرائن المتكثرة ان السؤال في الخبر عن الإمام عليه السلام ولعل الحامل على نحو هذا الاضمار في هذه الأخبار انه وقعت سؤالات متعددة في احكام مختلفة عن امام واحد مع اتصال بعضها بالبعض ونقلت كذلك في كتب القدماء مع التصريح باسم الامام المسؤول في أول السؤالات والاعتماد على الاضمار في الباقي للاستغناء عن ايراد الظاهر ثم لما حولت تلك الأخبار إلى كتب أخرى ووقعت الاقتطاع بينها لغرض ايراد كل حكم في الباب اللائق به أو مصلحة أخرى حصلت الغفلة ووقع اللبس للمتأخرين لبعد عهدهم بالأصول ولقد كان اللائق بالمصنفين التجنب عن مثل هذا الاجمال تجويد المراسم التعليم واشفاقا على المتأخرين عنهم وقد يقال في الجواب عن الأول ان خبر ابن مسلم هذا معارض بخبر ابن أبي يعفور والترجيح لذلك لكونه من الصحاح وهذا من الحسان وعلى تقدير المساواة فخبر ابن مسلم أقرب إلى التأويل إذ يمكن حمل ذكر الزيادة عن مقدار الدرهم فيه على كونها إشارة إلى أن اتفاق كون الدم بمقدار الدرهم فحسب بعيد جدا وان الغالب فيه الزيادة والنقصان ومما يرشد إلى هذا قوله في رواية إسماعيل الجعفي إن كان أقل من الدرهم فلا يعيد الصلاة وإن كان أكثر فليعد صلاته ولم يتعرض لحال مساواته للدرهم فالظاهر أنه لا وجه لتركه الا بعد وقوعه ولا يخفى ان هذا التأويل تأويل حسن الا انه لا ينحصر الجمع فيه لامكان الجمع بحمل ما دل على الإعادة في مقدار الدرهم على الاستحباب وهو أيضا تأويل قريب واثبات كون التأويل الأول أقرب لا يخلو عن اشكال فقوله خبر ابن مسلم أقرب إلى التأويل محل تأمل والتحقيق انه وقع التعارض بين الروايتين وكل منهما قابل للتأويل بوجه صحيح لكن يمكن ترجيح رواية ابن أبي يعفور لصحتها واعتضادها بالشهرة بين الأصحاب وبمرسلة جميل وكون العمل بها موجبا لقلة التخصيص فيما دل على وجوب إزالة الدم عن الثوب ومناسبتها لطريقة الاحتياط وتحصيل البراءة اليقينية واعتضادها بالآية في الجملة وإن كان في دلالة الآية تأمل ومن يتوقف في حجية الخبر الحسن خصوصا في صورة لا يسلم عن مثل هذه المعارضات يتقوى عنده هذا الترجيح وبالجملة القول المشهور لا يخلو عن قوة ومع ذلك للتردد في المسألة وجه لكن اجمال معنى الدرهم وعدم انضباط سعته مما ينفي فائدة هذا الاختلاف فإنه لم يبين في الروايات المراد بالدرهم ولم يثبت حقيقة شرعية فيه ولا عرف زمان الأئمة عليهم السلام حتى يحمل عليه وكلام الأصحاب مختلف في تفسيره وتحديده فالمشهور بينهم انه الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث ذكره الصدوق والمفيد والشيخ وابن زهرة وغيرهم الا ان الشيخ لم يذكر لفظة الوافي ولم يذكروا هؤلاء انه مسمى بالبغلي وقال المحقق في المعتبر الدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث وسمى البغلي نسبة إلى قرية بالجامعين وقريب منه كلام المصنف في التذكرة والمحكى عن جماعة من المتأخرين انه على هذا التفسير مفتوح الغين مشدد اللام ويظهر من كلام المصنف ان الدرهم المعفو عنه يسمى بالبغلي اتفاقا وقال ابن إدريس انه الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث وبعضهم يقول دون قدر الدرهم البغلي منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل قريبة من بابل بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين تجد فيها الحفرة والغسالون دراهم واسعة شاهدت درهم من تلك الدراهم وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلم المعتاد تقرب سعته من سعة أخمص الراحة وقال لي بعض من عاصرته ممن له علم باخبار الناس والأنساب ان المدينة والدرهم منسوبة إلى ابن أبي البغل رجل من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا للموضع قديما وضرب هذا الدرهم الواسع فنسب إليه الدرهم البغلي وهذا غير صحيح لان الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول عليه السلام
(١٥٨)