حمل الآخرون الروايتين على الاستحباب واستندوا في الحكم بالطهارة إلى الأصل وان الإبل الجلالة ليست نجسة فلا ينجس عرقها كغيره من الحيوانات وفيه اشكال لان الحمل على الندب على طريقتهم انما يصح عند وجود المعارض وهو منتف هيهنا والتمسك بالأصل انما يصح عند عدم المخرج والقياس على سائر الحيوانات ضعيف فتدبر الثالث أوجب الشيخ في النهاية غسل ما يصيبه الثعلب أو الأرنب أو الفارة والوزغة من الثوب أو البدن مع الرطوبة مع أنه ينافي باب المياه عما وقعت فيه الفارة من الماء الذي في الآنية إذا خرجت منه وكذا إذا شربت وجعل الأفضل ترك استعماله على كل حال واقتصر المفيد على الفارة والوزغة فجعلهما كالكلب والخنزير في غسل الثوب إذا مساه برطوبة واثرا فيه وحكى عن أبي الصلاح القول بنجاسة الثعلب والأرنب وهو قول ابن زهرة وللصدوقين كلام يؤذن بنجاسة الوزغ وذهب ابن إدريس إلى طهارة الجميع واختاره الفاضلان وحكاه المصنف عن والده واليه ذهب جمهور المتأخرين وهو أقرب لنا الأصل المعتضد بصحيحة الفضل أبي العباس السابقة مرارا أو لنا على خصوص الثعلب رواية الحسن بن شهاب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية أيصلي فيه قال نعم لا باس والحسن راوي هذا الخبر مجهول الا انه يرويه صفوان عن جميل عنه وهذا قرينة واضحة على كونه من المعتمدين فيكون الخبر من الأخبار المعتبرة وتؤيده رواية عبد الرحمن الحجاج قال سألته عن اللحاف من الثعالب والجرز منه أيصلي فيها أم لا قال إذا كان ذكيا فلا باس وعلى خصوص الفارة والوزغة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الغطاية والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة قال لا باس وسألته عن فارة وقعت في حب دهن فأخرجت منه قبل ان تموت أيبيعه من مسلم قال نعم ويدهن منه وصحيحة سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حيا قال لا باس باكله و رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ان أبا جعفر عليه السلام كان يقول لا باس بسؤر الفارة إذا شربت من الاناء ان يشرب منه ويتوضأ منه احتج المخالف بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الفارة الرطبة قد وقعت في الماء تمشى على الثياب أيصلي فيها قال اغسل ما رأيت من اثرها ولم تره فانصحه (فانضحه خ ل) بالماء ومرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته هل يجوز ان يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا قال لا يضره ولكن يغسل يده ورواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الكلب والفأرة إذا اكلا من الخبز وشبهه قال يطرح منه ويؤكل الباقي وعن الغطاية تقع في اللبن قال يحرم اللبن وقال إن فيها السم وصحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة والوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلثة دلاء ولولا نجاسة الوزغة لم يجب لها النزح بالموت وان موت مالا نفس له غير مؤثر في التنجيس وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الفارة والكلب إذا اكلا من الخبز أو شماه أيؤكل قال يطرح ما شماه ويؤكل ما بقى والجواب ان هذه الأخبار معارضة بما دل على الطهارة وحملها على استحباب التنزه غير بعيد ورواية يونس ضعيفة السند للارسال وكون الراوي عنه محمد بن عيسى وهو مما يوجب ضعفها كما مر واحتج ابن زهرة لنجاسة الثعلب والأرنب بالاجماع على ما هو دابة في أكثر المسائل وجوابه المنع من ثبوته الرابع ذهب الشيخ في بعض كتبه إلى نجاسة المسوخات على ما حكى عنه وعزى ذلك إلى سلار وابن حمزة وعن بعض الأصحاب الحكم بنجاسة لعابهما والأكثر على طهارة غير الخنزير منها عينا ولعابا وهو أقرب للأصل المعتضد بصحيحة الفضل أبي العباس حجة القائلين بالتنجيس ان بيعها محرم ولا وجه لذلك الا النجاسة واحتجوا على الأول برواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن القرد ان يشترى أو يباع والجواب أولا منع الأول لضعف الرواية مع اختصاصها بالقرد وثانيا بمنع الثاني إذ لا دليل على انحصار المقتضى فيما ذكره الخامس المنقول عن ظاهر كلام ابن الجنيد نجاسة لبن الصلبية لرواية النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام قال لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها وخالف في ذلك جمهور الأصحاب استضعافا للرواية وأوردها الصدوق رحمه الله فيمن لا يحضره الفقيه والظاهر من القاعدة التي مهدها من أنه لا يورد فيها الا ما يفتى به ويحكم بصحته انه موافق لابن الجنيد الا ان يقال الرواية ليست بصريحة في النجاسة ولا في وجوب الغسل فحملها على استحباب غير بعيد كما نقل عن جماعة من الأصحاب السادس قال المحقق ما يولد من النجاسات كدود الحش وصراصره ففي نجاسته تردد وجه النجاسة انها كائنة من النجاسة فتبقى على النجاسة ووجه الطهارة الأحاديث الدالة على طهارة ما مات فيه حيوان الا نفس له من غير تفصيل وترك التفصيل دليل إرادة الاطلاق ولان تولده في النجاسة معلوم إما منها فغير معلوم فلا يحكم بنجاسة وقوة توجيه جانب الطهارة غير خفي على أنه لو سلم كونها متولدة من النجاسة لا يلزم منه نجاستها إذ لا نسلم نجاسة ما تولد من النجاسة مطلقا ونجاسة ولد الكلب ليس باعتبار التولد منه بل باعتبار صدق الاسم وقد ذكر ذلك كله المصنف جاز ما بالطهارة وتجب إزالة النجاسات عن الثوب والبدن للصلاة وجوبا مشروطا بوجوب الغاية وكون النجاسة مما لا تعفى عنها ولم يكن عنده غير الثوب النجس ولعل اطلاق المصنف اعتماد على الظهور وهذا الحكم اجماعي بين الأصحاب حكاه في المعتبر والمشهور انه لا فرق بين قليل النجاسة وكثيرها الا في الدم فان فيه تفصيلا تمسكا للأحاديث المطلقة الدالة على وجوب إزالة النجاسات من غير تفصيل ونقل عن ابن الجنيد أنه قال كل نجاسة وقعت على ثوب وكانت عينها فيه مجتمعة أو منقسمة دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الابهام الاعلى لم ينجس الثوب بذلك الا أن تكون النجاسة دم حيض أو منيا فان قليلهما وكثيرهما سواء والمعروف ان خلافه في العقود هو خلاف ظاهر كلامه فلعل في عبارته توسعا وفي المعتبر أسند إليه القول بالعفو هنا وفاقا لما هو المعروف وفي حكم الدم نسب إليه القول بطهارة القليل منه ولم نقف لابن الجنيد على مستند وقد احتج له المصنف في المختلف بالقياس على الدم وأجاب عنه بان نجاسة المذكورات أغلظ من الدم فقياس حكمها على المني أولي والطواف هذا هو المشهور بين الأصحاب استنادا إلى قوله عليه السلام الطواف بالبيت صلاة وفيها قصور من حيث السند والمتن وسيجيئ تحقيق المسألة في محله إن شاء الله تعالى ودخول المساجد هذا الحكم مشهور في كلام الأصحاب وقال الشهيد الظاهر أنه اجماعي ونقل عن الشيخ أنه قال في الخلاف لا خلاف في أن المساجد يجب ان تجنب النجاسة ونقل ابن إدريس اجماع الأمة عليه واستدلوا عليه بقوله تعالى انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام رتب النهي على النجاسة فيكون تقريبها حراما ومتى ثبت التحريم في المسجد الحرام ثبت في غيره لعدم القائل بالفصل ولقول النبي صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم النجاسة وللاجماع على منع الكفار والظاهر أن العلة هي النجاسة وبقوله تعالى وثيابك فطهر وبقوله تعالى طهرا بيتي للطائفين وبالأمر بتعاهد النعل ولوجوب تعظيم شعائر الله وفي الكل نظر لأنا لا نسلم ان المراد بالنجس في الآية المعنى الشرعي لابد بذلك من دليل سلمنا لكن النهي مرتب على نجاسة المشرك لا على النجاسة مطلقا حتى يلزم الانسحاب في غيره سلمنا لكن يجوز تخصيص الحكم بمسجد الحرام وعدم القائل بالفصل غير ثابت وعدم العلم بالشئ غير مستلزم لعدمه واما الخبر فسنده غير معلوم وذكر ذلك الشهيد وغيره فالتمسك به لا يخلو عن اشكال ولا يبعد ان يقال اشتهار مدلوله والعمل به يكفي لجبر ضعفه والاجماع على منع الكفار غير دال على المدعا لمنع كون العلة هي النجاسة مطلقا واما قوله تعالى وثيابك فطهر فعلى تقدير تسليم كون المراد بالطهارة فيه المعنى المصطلح لا يلزم المطلق لان الامر فيه مطلق فلا يلزم منه الدوام فليحمل على القدر المتيقن واما قوله تعالى طهرا بيتي فيجوز ان يكون المراد به تطهير البيت عن الأصنام ويجوز الاختصاص بالبيت الحرام واختصاص الحكم بالشرع السابق واما الامر بتعاهد النعل فمحمول على الاستحباب فلا يلزم منه المدعا والتعظيم غير دال على المدعا فتدبر وبالجملة لو لم تكن المسألة اجماعية كان للنظر فيه مجال ولا يخفى ان ظاهر عبارة المصنف والمحقق تحريم ادخال النجاسة إلى المساجد مطلقا من غير فرق بين النجاسة المتعدية وغيرها وهو ظاهر ابن إدريس مدعيا عليه اجماع الأمة وبه صرح المصنف في غير هذا الكتاب حتى قال في الذكرى لو كان معه خاتم نجس وصلى في المسجد لم تصح صلاته واستدلوا عليه بالآية والخبر وأنت خبير بضعف دلالة الآية واما الخبر فعلى تقدير صحته غير دال على المدعا فان مجانبة النجاسة يحصل بعدم تعديها إلى المساجد ومن هنا اقتصر جمع من المتأخرين على النجاسة المتعدية وهو غير بعيد اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على موضع الوفاق ويؤيده ما نقل الشيخ في الخلاف والشهيد في الذكرى من الاجماع على
(١٥٦)