الأوليين وهذا الحكم مبنى على تحريم المس للمحدث بالحدث الأصغر وهو المشهور بين الأصحاب حتى أن الشيخ في الخلاف نقل اجماع الفرقة عليه والحق بها أبو الصلاح اسم الله تعالى وخالف الشيخ في المبسوط فزعم الكراهة وهو المحكي عن ابن البراج وابن إدريس قال في الذكرى بعد نسبته الكراهة إلى المبسوط ويلزم ابن الجنيد الكراهة لأنه يكره ذلك للجنب والحائض وحدثهما أقوى وقد يريد ان بالكراهة الحرمة ولا يخفى ان حمل كلام الشيخ على الحرمة يخالف ما قال في موضع اخر من المبسوط بعد تقسيم الوضوء إلى الواجب والمندوب فالواجب هو الذي يجب الاستباحة الصلاة أو الطواف لا وجه لوجوبه الا هذين حجة الأول وجهان الأول قوله تعالى انه لقران كريم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون واستدلال بهذه الآية مبنى على ارجاع ضمير لا يمسه إلى القران وكون الجملة صفة للقران أو خبرا ثالثا لان وحينئذ يكون النفي بمعنى النهى قيل نقلا عن التبيان ومجمع البيان وعندنا ان الضمير يعود إلى القران فلا يجوز لغير الطاهر مسه قيل وينبه عليه قوله تعالى تنزيل من رب العالمين فإنه صفة للقران أو خبر اخر لان وما نقل عن بعض الصادقين من أن المراد المطهرون من الاحداث والخباثات وفى بعض الأخبار الذي ينبغي ان يعد من الصحاح نسب المنع إلى الآية الشريفة ولقائل أن يقول لا يتعين ارجاع الضمير إلى القران فيجوز ان يكون راجعا إلى الكتاب ويكون المعنى في كتاب مكنون أي اللوح المحفوظ لا يمس ذلك الكتاب الا الملائكة المطهرون من ادناس الذنوب كما ذكره صاحب الكشاف ويرجحه قرب المرجع وابقاء الجملة على ظاهرها وكلام التبيان ومجمع البيان وإن كان مشعرا باتفاق الأصحاب على ارجاع الضمير إلى القران لكن في اثباته اشكال ولو سلم رجوع الضمير إلى القران يحتمل ان يكون المراد لا يمسه الا المطهرون لكونه في اللوح المحفوظ ابقاء للجملة على ظاهرها وأيضا على تقدير الرجوع إلى القران والعدول عن ظاهرا الخبرية الحمل على النهى التحريمي غير لازم إذ يجوز ان يكون المراد لا ينبغي ان يمسه الا من هو على الطهارة من الناس كما قال صاحب الكشاف وحينئذ لا يستفاد منها أكثر من الكراهة وقد يقال إذا تعذرت الحقيقة يتعين الحمل على أقرب المجازات إليها وهو ههنا التحريم إما بطريق النهى أو الاخبار وهو لا يصفو عن شوب التأمل ثم على تقدير التنزل عن ذلك كله يمكن ان يقال يصدق المطهر على الطاهر من الحدث الأكبر بل على الطاهر من الأخباث فلا يقتضى الطهارة عن الحدث الأصغر وقد يقال الطهارة حقيقة في المعنى الشرعي لثبوت الحقائق الشرعية وحينئذ يتم الاستدلال بالآية وفيه انا لا نسلم ثبوت حقيقة شرعية فيها سلمنا لكن يحتمل الحمل على المجاز حذرا عن التأويل الذي ذكر ولابد للترجيح من دليل مع ما يرد عليه من الأبحاث التي ذكرنا اخرا وبالجملة اثبات التحريم بالآية لا يخلو عن اشكال نعم لو ثبت صحة الخبر الدال على أن المراد بالآية ذلك كان هو المعتمد لكني لم اطلع في هذا الباب الاعلى خبر لا يبلغ درجة الصحة الوجه الثاني الاخبار منها ما رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق قال سئلت أبا عبد الله ع عمن قرا في المصحف وهو على غير وضوء قال لا باس ولا يمس الكتاب وليس في سند هذه الرواية ما يوجب التوقف الا من جهة أبي بصير والحسين بن المختار فان الحسين واقفي واما أبو بصير فان كثيرا من أصحابنا المتأخرين يتوقفون فيه زعما منهم اشتراكه بين الثقة والظاهر عندي انه لا توقف من هاتين الجهتين إما الجهة الأولى فلما حققته من عدم اشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره بل هو إما يحيى بن أبي القاسم أو ليث بن البختري المرادي وكلاهما ثقتان واحتمال غيرهما بعيد سيما إذا كانت الرواية عن الصادق عليه السلام فإنه لا يحتمل حينئذ غيرهما وما زعم من أن يحيى واقفي توهم وسيجيئ تحقيق ذلك في مسألة الكر ولأجل ذلك ألحقت اخبار أبي بصير بالصحاح إذا لم يكن قادح في الصحة من غير جهته وعلى هذه القاعدة جريت في مباحث هذا الشرح واما الحسين بن المختار فهو وإن كان واقفيا على ما ذكر الشيخ في رجاله لكن نقل المصنف عن ابن عقدة عن علي بن الحسن بن فضال توثيقه وذكر المفيد في ارشاده ان الحسين من خاصة الكاظم عليه السلام وثقاته وأهل العلم والودع والفقه من شيعته وذكر ثقة الأسلم في الكافي قال عن الحسين بن المختار قال لي الصادق رحمك الله وقد روى جماعة من الثقات عنه نصا على الرضا عليه السلام وفى رواية حماد بن عيسى كتابه وحماد ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه اشعار بالاعتماد على نقله وبالجملة هذا الخبر من الموثقات والصحيح عندي العمل بالاخبار الموثقة إذا سلمت عن معارض أقوى منها فانى اعمل بكل خبر يحصل الظن بنسبته إلى المعصوم عليه السلام وعلى هذه القاعدة تدور رحى العمل بالترجيحات في هذا الكتاب وغير خاف على اللبيب إفادة الخبر المذكور للظن وتحقيق هذا المقام ليس من وظيفة هذا الشرح بل هو نظر أصولي يتعلق بفنه وانما الغرض هيهنا الإشارة إلى الأصل الذي يبنى كثير من الترجيحات في هذا الشرح عليه ومنها لما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح عمن اخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام عنده فقال يا بنى اقرأ المصحف فقال انى لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقراه وانما صححنا الخبر عن حريز مع أنه من رواية المفيد عن أحمد بن محمد عن أبيه وأحمد بن محمد هذا إما مشترك بين أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمد بن يحيى أو مختص بالأول على ما رجحه بعض العلماء وهما غير موثقين في كتاب الرجال لأن الظاهر أنهما من مشايخ الإجازة وليسا بصاحب كتاب والغرض من ذكرهما رعاية اتصال السند والاعتماد على الأصل المأخوذ منه فلا يضر جهالتهما وعدم ثقتهما وما يوجد في كلام الأصحاب من تصحيح الاخبار التي أحدهما أو نظيرهما في الطريق مبنى على هذا لا على التوثيق وفى هذا الخبر ضعف من حيث الارسال لكن الخبر صحيح إلى حماد بن عيسى وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وفيه اشعار ما بقوة الخبر ومنها ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد في القوى عن أبي الحسن عليه السلام قال المصحف لا تمسسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس حظه ولا تعلقه ان الله تعالى يقول لا يسمه الا المطهرون ومنها ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح على الظاهر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل أيحل له ان يكتب القران في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء قال لا ولا يخفى ان صحة الاستدلال بالاخبار الثلاثة الأول موقوف على ثبوت ان صيغة النهى المذكورة في الاخبار المنقولة عن الأئمة عليه السلام ظاهرة في التحريم وللتأمل فيه مجال وان قلنا ابانها حقيقة فيه في القران والأحاديث النبوية على ما هو التحقيق ووجه التأمل شيوع استعمال النهى في الكراهة في الأخبار المذكورة شيوعا تاما يوجب الشك في ظهورها في معنى التحريم كما افاده بعض الأصحاب ونحوه الكلام في دلالة الامر على الوجوب وعلى هذا فلابد في مواضع الاستدلال بالنهي على التحريم من الاستعانة بانضمام قرينة توجب الظهور فيه وحصولها في محل البحث غير واضح ويمكن ان يجعل الشهرة امارة لذلك ولكنه لا يصفو عن ثبوت التأمل بالكلية إما الخبر الأخير فلعل صلاحيته للتأييد أقرب بيانه انه مصروف عن ظاهره وهو تحريم كتابة القران للمحدث إذ لا اعلم قائلا به من الأصحاب فالخبر محتاج إلى التأويل إما بحمل نفى الحلية على نفى الإباحة لا نفى لجواز المقابل للتحريم واما بان يقال الحكم مبنى على الغالب من وقوع المس عند الكتابة إذ عدم وقوع مس المكتوب للكاتب عند الكتابة مما يحتاج إلى التحفظ التام وهو قليل خلاف الشائع الغالب والخبر على التأويل الثاني يوافق المدعى دون الأول ولا يبعد ترجيح الثاني فاذن الخبر يصلح للتأييد حجة القول الثاني أصل الإباحة وانه لم يعهد من السلف منع الصبيان من المس وللتأمل في التعليلين مجال والمسألة محل اشكال وإن كان لترجيح القول الأول وجه ويستحب لمندوبي الأولين لا خلاف في استحباب الوضوء للصلاة المستحبة وكذا في اشتراط صحتها به ويجوز الدخول به في الفرائض والظاهر أنه لا خلاف في ذلك ونقل اتفاقهم عليه ابن إدريس وفى المنتهى انه قول أهل العلم واما الطواف المستحب ففي كون الوضوء شرطا لصحته أو لوقوعه على الوجه الأكمل
(٣)