فيهما فلم يبق الا ان القول بمنع السكران عن دخول المساجد غير معلوم فان ثبت الاجماع يمكن ان يقال يجوز ان يكون الامر كذلك أولا ثم نسخ لكن لم يثبت ومما يؤيد ترجيح الوجه الثاني بعض الأخبار الصحيحة المنقولة عن أبي جعفر عليه السلام حيث استدل فيها بهذه الآية على تحريم دخول الجنب للمساجد وانما قلنا بلفظ التأييد لأنه يمكن ان يقال ليس في الخبر دلالة على انحصار معنى الآية فيه فلعله يكون بعض بطون الآية وإن كان غيره أيضا مرارا وفى الآية وجه ثالث منقول عن بعض فضلاء فن العربية من أصحابنا في كتاب الفه في الصناعات البديعية وهو ان المراد بالصلاة في قوله تعالى لا تقربوا الصلاة معناها الحقيقي وفى قوله تعالى ولا جنبا الا عابري سبيل مواضعها قال في الكتاب المذكور عند ذكر الاستخدام بعد ما عرفه بأنه عبارة عن أن يأتي المتكلم بلفظة مشتركة بين معنيين متوسطة بين قرينتين يستخدم كل قرينة منهما معنى من معيني تلك اللفظة وقد جاء في الكتاب العزيز من ذلك قوله تعالى لا تقربوا الصلاة الآية فاستخدم سبحانه لفظة الصلاة المعنيين أحدهما إقامة الصلاة بقرينة قوله سبحانه حتى تعلموا ما تقولون والاخر موضع الصلاة بقرينة قوله جل شانه ولا جنبا الا عابري سبيل انتهى واستحسن هذا الوجه بعض الفضلاء قال ولا يضره عدم اشتهار الاستخدام بهذا المعنى بين المتأخرين من علماء المعاني ويمكن حمل الرواية على هذا الوجه ولو جعل الاستخدام في القرب كان أظهر وعندي ان في هذا الوجه تكلف وعدول عن الظاهر وهيهنا وجه رابع وهو ان يكون المراد بالقرب المنهى المعنى الأعم في التلبس بفعلها والتوجه إليها وحضور مواضعها بقرينة قوله تعالى الا عابري سبيل ولا اشكال فيه الا لزوم التخصيص ابن ثبت جواز دخول المساجد للسكران والامر فيه هين ولا يبعد ان يكون هذا الوجه أحسن الوجوه فتدبر والله أعلم بحقائق كلامه وهل يستحب الوضوء مع غسل الجنابة المشهور العدم خلافا للشيخ في التهذيب فإنه قال فيه بالاستحباب استنادا إلى ما رواه عن أبي بكر الحضرمي في القوى عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته كيف اصنع إذا جنبت قال اغسل كفك وفرجك وتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني والشيخ عنه في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن عبد الله بن مسكان وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم عن محمد بن ميسر وهو غير موثق في كتب الرجال قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهى إلى الماء القليل إلى اخر السؤال قال يضع يده ويتوضأ ويغتسل وبأزائهما روايات دالة على كون الوضوء مع الغسل بدعة كما في مرسلة محمد بن أحمد بن يحيى الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة واستضعفه الشيخ بالارسال وروى الشيخ عن عبد الله بن سليمان باسناد مجهول قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول الوضوء بعد الغسل بدعة وحمل الشيخ هذه الأخبار على ما إذا اعتقد كون الوضوء مع الغسل واجبا واحتمل في الخبرين الأخيرين التخصيص بما عدا غسل الجنابة لان المسؤول في هذه الأغسال ان يكون الوضوء فيها قبلها ولا يخفى انه لا تنافى بين الخبرين الأخيرين والخبرين الدالين على استحباب الوضوء قبل الغسل فانحصرت المعارضة في المرسلة المذكورة والظاهر أنه يضعف عن المقاومة فان رجحناها نظرا إلى اشتهار مدلولها حملنا الخبرين على التقية لموافقتهما لمذهب العامة فإنهم متفقون على استحباب الوضوء مع غسل الجنابة وبعضهم ذهب إلى الوجوب الثاني وجوبه مع باقي الأغسال سوى غسل الميت كما سيجيئ وهو المشهور بين الأصحاب خلافا للسيد المرتضى وابن الجنيد ويدل على الأول وجوه منها قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية خرج عنها الجنب للاجماع والنص فيبقى غيره داخلا في عموم الآية ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان الثقة أو غيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال في كل غسل وضوء الا الجنابة وعدها المصنف من الحسان وليس بشئ ومنها ما رواه عن علي بن يقطين في القوى عن أبي الحسن عليه السلام قال إذا أردت ان تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل ومنها الاستصحاب ويدل عليه أيضا عموم الأخبار الدالة على أن الحدث يوجب الوضوء وفى الكل نظرا ما الأول فلان الآية وإن كانت عامة لكنها تتخصص بالأدلة الآتية جمعا بين الأدلة ومما يضعف الاستناد إليه ما نقل المصنف في المنتهى اجماع المفسرين على أن المراد إذا قمتم من النوم ونسبه في الخلاف إلى المفسرين ويدل عليه بعض الروايات المعتبرة وقد مر في بحث نواقض الوضوء وقد يناقش في عمومها لعدم اشتمالها على شئ من أدوات العموم والاجماع لا يقتضى العموم بالنسبة إلى محل النزاع وفيه نظر واما في الثاني فلعدم دلالة الخبر على الوجوب بل مدلوله أعم من الوجوب والاستحباب واعترف به المحقق في بحث وضوء الميت حيث قال لا يلزم من كون الوضوء في الغسل ان يكون واجبا بل من الجائز ان يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه وغيره يجوز ولا يلزم من الجواز الوجوب وكذا المصنف في المختلف والعجب انهما مع اعترافهما بذلك استدلا بهذا الخبر ههنا على وجوب الغسل في غير الجنابة وتبعهما في الامرين الشارح الفاضل وأيضا لو سلم كونه ظاهرا في الوجوب لكن يلزم حملها على المعنى الأعم جمعا بينه وبين ما يدل على عدم وجوب الوضوء مع غسل الميت إذ هذا الحمل ليس أبعد من التخصيص وأيضا لو تم الاستدلال يلزم ان يكون الوضوء متعينا قبل الغسل على سبيل الوجوب ولم يقل بذلك كثير منهم وأيضا مع قطع النظر عن ذلك كله نقول ارتكاب التأويل لازم في هذا الخبر جمعا بينه وبين ما هو أقوى منه كما ستعرف ومن هنا يظهر الجواب عن الثالث وقد يقال إن هذه الرواية عين السابق لان الموجود في التهذيب رواية ابن أبي عمير بطريقين أحدهما عن رجل والاخر عن حماد بن عثمن أو غيره فهى بالحقيقة رواية واحدة مرسلة فلا يصح عدها روايتين وقد يجاب بالقدح في سند الرواية لمكان الارسال وقد طعن المحقق في المعتبر والشهيد الثاني في شرح الدراية في مراسيل ابن أبي عمير مع احتمال ان لا يكون الارسال منه بل من غيره وهذا عندي ضعيف لتصريح الشيخ بان ابن أبي عمير لا يروى الا عن الثقات وكونه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه واشتهارا لمراسيله بين الأصحاب على هذا يندفع الاحتمال الذي ذكره مع كونه خلاف الظاهر وسيجيئ لهذا زيادة تحقيق انشاء الله تعالى واما عن الرابع فلعدم دلالة الرواية على الوجوب بل عدم صحة حملها عليه واما الخامس فلان الاستصحاب يرتفع بالأدلة كما ستعرف مع ما فيه من الضعف واما عن السادس فلان تلك الأخبار مخصصة بمقتضى الأدلة الآتية ويدل على القول الأخير ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال الغسل يجزى عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل والظاهر من المفرد المعرف باللام في أمثال هذه المواضع العموم إذ الحمل على العهد يقتضى سبق معهود وليس ههنا والحمل على العهد الذهني ينافي غرض البيان والإفادة ويؤيده التعليل المستفاد من قوله عليه السلام وأي وضوء أطهر من الغسل فإنه ظاهر في العموم إذ لا خصوصية لغسل الجنابة في هذا الحكم وقد يقال إذا أمكن حمل المعرف باللام على معنى معهود لم يجب الحمل على العموم وغسل الجنابة من بين الأغسال لحصول سببه في أكثر الأحيان وكثرة الاحتياج إليها حتى صار غيره بالنسبة إليه بمنزلة الناد والمعدوم كان بمنزلة الحاضر المعهود في الذهن فالحمل عليه غير بعيد وعندي ان هذا الكلام متجه إذا كان غير غسل الجنابة نادرا قليل الوقوع وليس الامر كذلك بل الظاهر العموم بمعونة التعليل ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام في صحيحة حكم بن حكيم السابقة وأي وضوء انقى من الغسل وأبلغ فإنه ظاهر في العموم والسؤال عن الجنابة لا يخصصه لان خصوص السؤال لا يوجب تخصيص العام لكن المناقشة في العموم ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال لا ليس عليه قبل ولا بعد قد أجزأها الغسل وما رواه الشيخ باسناد فيه اشتراك بين الضعيف وغيره عن حماد بن عثمن عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزيه من الوضوء فقال أبو عبد الله عليه السلام وأي وضوء أطهر من الغسل وبإسناد فيه جهالة واشتراك ان محمد بن عبد الرحمن الهمداني كتب إلى أبى الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة فكتب لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة ولا غيره وحمل الشيخ رحمه الله تلك الروايات الثلث على ما إذا اجتمعت هذه الأغسال مع غسل الجنابة وهو بعيد ومما يؤيد هذا القول كثير من الأخبار الواردة في أحكام الحائض والمستحاضة والنفساء فإنهم عليهم السلام ذكروا انها تغتسل وتصلى من غير ذكر للوضوء في مقام البيان المقتضى لذلك ان أوجب وللمقابلة في التقسيم مع الوضوء في بعضها ففي صحية زرارة فان جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل وفى صحيحة ابن سنان المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلى الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب وتصلى المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح وتصلى الفجر وفى صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل إلى
(٤٨)