العامية المشهورة المتضمنة أمر النبي صلى الله عليه وآله باهراق الذنوب من الماء على بول الأعرابي لما بال في المسجد وقوله لهم بعد ذلك علموا ويسروا ولا تعسروا واثبات وجه الأول مشكل واما الرواية فضعيفة لأنها عامية وراويها أبو هريرة وقد حكى المحقق محصول كلام الشيخ ثم استشكله بان الرواية ضعيفة ومنافية للأصل لأنا بينا ان الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس سواء تغير أو لم يتغير لأنه ماء قليل لاقي النجاسة ثم حكم بطهارة الأرض بأشياء وذكر من جملتها ان يغسل بماء يغمرها ثم يجرى إلى موضع اخر فيكون ما انتهى إليه نجسا ولم يفرق بين رخاوة الأرض وصلابتها وربما يحصل التوقف مع الرخاوة لعدم انفصال الماء المغسول به عن المحل الا ان نقول باغتفاره ووافق ابن إدريس الشيخ في الحكم السابق قال بعض العلماء بعد نقل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الصلاة في بيوت المجوس فقال رش وصل وفي هذين الخبرين نوع اشعار بالاكتفاء في زوال النجاسة عن الأرض بصب الماء عليها والا لم يكن للرش في المواضع المذكورة فائدة وهو حسن الا ان الاستدلال بمجرد ذلك مشكل ثم قال وكذا في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب قال لا باس به ما اصابه من الماء أكثر منه ووجه الاشعار به تعليق نفي الباس بكون الماء الذي أصاب المحل أكثر من البول وانه ليس بالبعيد كون أداة التعريف في الماء للعهد الذهني لا لخارجي وفيه تأمل لجواز رجوع الضمير في قوله ما اصابه إلى الثوب وقد ذكرنا ذلك في حكم ماء المطر عند نقل الحديث هناك وقد يصوب رأي الشيخ بانتفاء الدليل على التكليف بما زاد عليه وصدق مسمى الإزالة والغسل المعتبرين في مثله ويرد على الوجه الأول انه لم يثبت دليل على طهارته بمجرد ما ذكر وكما أن النجاسة حكم شرعي يحتاج إلى دليل فكذلك الطهارة لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل يعلم بتوقيف الشارع فاذن يقتضى تعين التكليف بالصلاة المشترطة بطهارة الثياب (تنزيه الثياب) عن ملاقاة مثله بالرطوبة تحصيلا لليقين بالبراءة فيجب تطهيره لذلك نعم لا يثبت بهذا الوجه الذي ذكرنا وجوب الاجتناب عنه مطلقا ويرد على الثاني انا لا نسلم وجود ما دل على اعتبار الغسل والإزالة في كل مادة بحيث يشمل محل النزاع إذ الاخبار مختصة بالثوب والبدن فتدبر العاشرة اختلف الأصحاب في حكم غير البول من سائر النجاسات إذا أصابت غير الأواني فذهب جمع منهم إلى الاكتفاء بالمرة الواحدة وهو مذهب الشيخ في المبسوط واللائح من كلام المحقق في المعتبر واختاره الشهيد في البيان ومال إليه في الذكرى واليه ذهب الشهيد الثاني لاطلاق الامر بالغسل المتناول للمرة وذهب إلى جماعة اعتبار المرتين وهم بين مطلق للقول على وجه يظهر منه العموم ومقتصر على الثوب والبدن بل على الثوب فقط وقال المصنف في التحرير يغسل الثوب من البول مرتين والثخينة أولي بتعداد الغسل إما ما لا يشاهد من النجاسات فإنها تطهر بالمرة وقال في المنتهى النجاسات التي لها قوام وثخن كالمني أولي بالتعدد في الغسلات قال ويؤيده قول أبي عبد الله (ع) في رواية الحسين بن أبي العلاء وقد سأله عن البول يصيب الجسد صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء فإنه يدل بمفهومه على أن غير الماء أكثر عددا وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) انه ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول وتمسك بعضهم بالخبر المتضمن لتعليل ايجاب المرتين بان واحدة تزيل واخرى تطهر ثم توجيه الاقتصار على الثوب أو عليه وعلى البدن أو إلى التعدية إلى غيرهما قد علم مما مر في البول والجواب عن هذه الوجوه منع أولوية التعدد وأقصى ما نسلمه توقف إزالة هذه النجاسات على أمر زائد على ما يعتبر في البول وأقله الحت والفرك المزيل للنجاسة ولا يلزم منه اعتبار التعدد خصوصا ان اعتبر بعد زوال العين وقريب منه الكلام في الرواية الأولى واما الرواية الثانية فلا دلالة لها على المطلوب فان الظاهر التشديد في المني باعتبار التأكيد في وجوب ازالته وشدة اثم من أخل به ردا لما ذهب إليه العامة من القول بطهارته ولا دلالة في الرواية على أن التشديد باعتبار كيفية الغسل واما التمسك الأخير فقد علمت حاله مما سلف وذهب الشهيد في اللمعة والرسالة و الفاضل الشيخ علي إلى وجوب المرتين في الجميع والتحقيق ان ما حكم بنجاسته على وجهين الأول ما استفيد نجاسته من أمر الشارع بغسله وحينئذ فالظاهر الاكتفاء بالمرة لصدق الامتثال ولان الظاهر في مقام البيان انه لو وجب شئ زائد على الغسل لبينه الثاني ما استفيد نجاسته من الاجماع والامر فيه مشكل فيحتمل اعتبار المرتين استصحابا لحكم النجاسة إلى أن يعلم المزيل والنظر إلى عموم كون الماء مطهرا لكنهما لا يسلمان عن الايراد لما عرفت من ضعف دلالة الاستصحاب المذكور مع ما قد عرفت من ضعف الوجه الثاني عن قريب ويحتمل الثاني اقتصارا في الحكم بالتنجيس على موضع الوفاق وهو ما قبل المرة استنادا إلى أصل البراءة من الزيادة فيما بعدها ويرد عليه ما ذكرنا في المسألة السابقة من أنه إذا لم يثبت الطهارة يلزم الاجتناب عنه في الصلاة تحصيلا لليقين بالبراءة من التكليف الثابت نعم ان ثبت الاجماع على عدم الفرق بين القسمين كما هو الظاهر اتجه القول بالاكتفاء بامرة مطلقا فتدبر الحادية عشر اعتبر السيد المرتضى على ما نقل عنه في إزالة النجاسة بالماء القليل ورود الماء على النجاسة فلو عكس نجس الماء ولم يفد المحل طهارة وبه قطع المصنف في جملة من كتبه وهو ظاهر الشيخ والمحقق وبه قطع الشهيد في الدروس ولكنه استثنى فيه نحو الاناء وقال في الذكرى الظاهر اشتراط ورود الماء على النجاسة لقوته بالعمل إذ الوارد عامل وللنهي عن ادخال اليد في الاناء فلو عكس نجس الماء ولم يطهر قال وهذا ممكن في غير الأواني وشبهها مما لا يمكن فيه الورود الا ان يكتفى بأول وروده ثم قال مع أن عدم اعتباره مطلقا متوجه لان امتزاج الماء بالنجاسة حاصل على كل تقدير والورود لا يخرجه عن كونه ملاقيا للنجاسة وفي خبر الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه السلام في الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ان الماء والنار قد طهراه تنبيه عليه وقد يقال الحق انه لا يراد بالورود أكثر من هذا والا لم يتحقق الورود في شئ مما يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شئ اخر وفي التنبيه الذي ذكره تأمل وتحقيق المقام ان توجيه الفرق المذكور بناء على القول بعدم نجاسة القليل بالملاقاة فإذا كان الوارد الماء كما ذهب إليه المرتضى رحمه الله واضح بناء على استبعاد التطهير بالماء النجس وكذا على قول من زعم أن التنجيس انما يعرض للغسالة بعد انفصاله عن المحل في صورة الورود واما على القول بان الغسالة في حال ملاقاته للثوب أيضا نجس فأقصى ما يمكن ان يقال في تصويره ان الظاهر من حال ما حكم بنجاسته شرعا عدم صلاحيته لإفادة التطهير لكن لما دلت الأدلة على حصول الطهارة بالماء القليل واقتضت القاعدة انفعاله بملاقاة النجاسة يلزم من ذلك ارتكاب الاستثناء فيما ذكرناه من عدم صلاحية الماء النجس للتطهير لكن الاستثناء متقدر بقدر الضرورة فيجب قصره على القدر الثابت المجمع عليه وهو صورة ورود الماء والحق انه لم يثبت المنافاة بين انفعال الماء وافادته التطهير فيحكم بطهارة المغسول مطلقا لصدق الغسل المعتبر وحصول الامتثال نعم إن كان الماء نجسا بغير هذا الوجه لم يصلح للتطهير بدليل مختص به ثم لا يخفى ان الأدلة الدالة على انفعال القليل بالملاقاة لا عموم لها بحيث يشمل صورة عدم ورود النجاسة بل هي مختصة ببعض النجاسات الواردة على الماء ومقتضى ذلك الحكم بطهارة الماء في صورة عدم ورود النجاسة لا تخصيصها بصورة ورود الماء فمتى جعل مبنى الفرق انفعال الماء و عدمه كان عليه ان يجعل مدار الفرق ورود النجاسة وعدمه وحينئذ لا احتياج إلى استناد نحو الأواني ولا حمل الورود على ما يقع أولا الثانية عشر مالا ينفصل الغسالة عنه بالعصر إما مائع أو غيره إما الثاني كالصابون والفواكه والجر والحبوب وما جرى هذا المجرى فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في طهارته بالكثير إذا تخلله وأصاب جميع الأجزاء المحكوم بنجاستها وذكر جمع من الأصحاب انه لا يطهر بالغسل القليل واستشكل بعض المتأخرين ذلك لوجوه الأول انه مستلزم للضرر والحرج المنفى الثاني ان المتخلف من الماء في هذه المذكورات ربما كان أقل من المتخلف في الحشايا بعد الدق والتغميز وقد حكموا بطهارتها بذلك الثالث انه لم يثبت تأثير ذلك في المنع مع اطلاق الامر بالغسل المتحقق بالقليل والكثير وفي الأخير نظر لأنه ليس في الأدلة فيما اعلم ما دل على الامر بالغسل في كل مادة بحيث يشمل مورد النزاع لاختصاصها بالبدن والثوب وبعض المواد الخاصة فتعدية الحكم إلى غيرها يحتاج إلى دليل والمسألة محل تردد والاحتياط عدم الاكتفاء بالقليل واما الأول فالظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم طهارتها بالقليل ومال جماعة إلى أن غير الماء المطلق من المائعات غير قابل للتطهير مطلقا ما دام باقيا على حقيقته وظاهر كلام المصنف في التذكرة امكان طهارتها بان تطرح في ماء جار أو كر فما زاد بحيث يسرى الماء إلى جميع اجزائه قبل اخراجه منه وذكر فيه وفي المنتهى والنهاية انه لو صب الدهن النجس في كر فما زاد ومازجت حتى يحلل الماء جميع اجزاء الدهن بأسرها طهر ووافقه الشهيد في الذكرى على مختار التذكرة لكن أفرد الدهن بالذكر ونسب القول بطهره إلى التذكرة وقد سبق في بحث المضاف أقوال مختلفة في حكم المضاف النجس منها طهره بالامتزاج بالماء الكثير وان سلبه اطلاق الاسم ومنها طهره بمجرد الاتصال بالماء الكثير وينسحب تلك الاحتمالات
(١٦٣)