وابن الجنيد ثم قال لم اعرف لقدمائنا نصا على التعيين ونقل الشهيد في الذكرى عن ابن الجنيد القول باستحبابها والقول بأنه لو غربت عنه النية قبل ابتداء الطهارة ثم اعتقد ذلك وهو في عملها أجزأه ذلك وعن الجعفي القول بأنه لا باس ان تقدمت النية العمل أو كان معه وهي لغة مطلق العزم و إما شرعا فقد اختلف عبارات الأصحاب وأقاويلهم في القدر الواجب منها فالمفيد في المقنعة والشيخ في النهاية اكتفيا بالقربة وهو المحكي عن المحقق في بعض رسائله وفي المبسوط ذكر نية الرفع أو استباحة مشروط بالطهارة ولم يذكر القربة قال الشهيد والظاهر أنه تركها لظهورها والمحقق في المعتبر صرح بالقربة واحد الامرين وعدم اشتراط الوجوب أو الندب واختاره في الشرايع القربة والوجوب أو الندب مع عدم اشتراط أحد الامرين المذكورين وابن زهرة في الغنية جمع بين الأربعة وبين الطاعة واختار الشهيد القربة والوجوب أو الندب واحد الامرين والمصنف في القواعد ذكر القربة واحد الامرين والوجوب والندب أو جهتهما وهنا أقوال أخر نقلها الشهيد في الذكرى الأول الاستباحة قال إنه يلوح من كلام المرتضى الثاني الجمع بين القربة والوجه والرفع والاستباحة ونسبه إلى أبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة والراوندي الثالث الوجوب أو وجهه إن كان واجبا أو الندب والرفع والاستباحة ذكر انه مستفاد من تفاريق كلام ابن إدريس قال إنه لم يذكر القربة وادعى الاجماع على وجوب نية الرفع والاستباحة الرابع اطلاق النية ونسبه إلى الجعفي وسلار واعلم أنه ثبت بالأدلة الكثيرة تحريم الرياء في العبادات وايجاب ان يكون الفعل لله وهذا يقتضي أن تكون العلة الغائية للفعل هو إرادة التقرب إلى الله سبحانه بأحد المعنيين أعني موافقة ارادته أو طلب الرفعة ونيل الثواب عنده بمعنى انه كلما ذكر الفعل في أثنائه كان معتقدا ان الغرض منه التقرب فان ثبت اجماع على وجوب أمر زائد على ذلك كان هو المعتمد والا كان للتأمل مجال قال صاحب البشرى على ما حكى عنه الشهيد رحمه الله في الذكرى لم اعرف نقلا متواترا ولا آحاد أيقتضي القصد إلى رفع الحدث والاستباحة لكن علمنا يقينا انه لابد من نية القربة والا كان هذا من باب اسكتوا عما سكت الله عنه والظاهر أن من ذكر النية من القدماء وأطلق لم يقصد سوى ما ذكرنا وأكثرهم لم يذكروها وكأنهم أغناهم التشديد العظيم الواقع في الشريعة في تحريم الريا وايجاب ان يكون الطاعات لله عن ذكرها بخصوصها ولعل لهذه العلة لم يقع حديث النية في شئ من الأخبار الواردة في بيان حقائق الوضوء والصلاة وغيرهما خصوصا في مواقع التعليم والبيان مع عموم البلوى بها وشدة الاحتياج إليها وغاية اشفاقهم على شيعتهم ومن هنا يظهر ان أمر النية هين مسامح فيه لا يجري فيها التدقيقات التي ذكرها المتأخرون حتى استصعب على رهط من الناس فوقعوا في الشدة والوسواس على خلاف ما عهد من سنن الأئمة وطريقه كبراء القوم وعظماء الأسلاف ومن هنا قال بعض الفضلاء لو (؟؟؟) العباد بغير نية كان تكليفا بما لا يطاق واقترب من الحق نعم الامر المهم اخلاص العمل وتصفيتها عن شوب الرياء الذي هو اخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء وتخليصها عن الأغراض الفاسدة والدواعي الباطلة وهو مرتبة مستصعبة لا ينال أقصاها الا الأنبياء والأولياء والصديقون وكانه إشارة إليه ما روى عن كلام مولينا أمير المؤمنين عليه السلام تخليص العمل من الفساد أشد من طول الجهاد وتتفاوت درجات المريدين في نيل هذه البغية ودرك هذا المطلب وانما يحصل الترقي على مراقيه العالية والصعود على مراتبه السامية بسبب كثرة الرياضات الشرعية وقوة المجاهدات العقلية وتطويع القوى للقوى العاقلة وكسر الدواعي البدنية والتزهد في الدنيا البائدة الهامدة وخط الأغراض الزائلة الفاسدة والتحلي بحلية الصالحين واقتفاء اثار المتقين جعلنا الله وإياكم من الواصلين إلى هذه الدرجة الفائزين بنيل هذه البغية فإنها من أعاظم مطالب الطالبين ثم اعلم أنهم استدلوا على وجوب النية بقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الآية وفيه نظر سيظهر وبقوله عليه السلام انما الأعمال بالنيات بناء على أن الظاهر من الحصر انتفاء حقيقة العمل عند انتفاء النية وحيث تعذر العمل على هذا نحمله على أقرب المعاني إليه وهو نفي الصحة والمشروعية وفيه نظر لان الأعمال أعم من العبادات بحسب اللغة والعرف ولم يثبت هنا حقيقة شرعية توجب حملها عليها أو توجب التشكيك في حملها على المعنى اللغوي فيجب حملها على المعنى اللغوي وحينئذ لو حمل الحصر على نفي الصحة بدون النية يلزم التخصيص واخراج غير العبادات فيجب الحمل على نفي الثواب بدونها حتى لا يلزم ذلك ومقاومة قرب المجاز اللازم في الأول اللازم في الثاني ممنوعة ولو نوقش في لزوم حمل الأعمال على المعنى اللغوي كانت غاية الأمر الشك في مدلوله فلم يبق وثوق في الحمل على نفي الصحة في مقام الاستدلال على أن الخبر غير صريح في الدلالة على وجوب النية بالمعنى المصطلح لما فيه من الاجمال وقريب منه الاستدلال بحديث لا عمل الا بنية وانما لكل امرئ ما نوى بل هو اخفى دلالة على المطلوب وهي عند المصنف إرادة الفعل فبدون الإرادة لا يكون ناويا بل إن صدر الفعل كان على سبيل السهو والنسيان لوجوبه أو ندبه وقال في القواعد وان بوقعه لوجوبه أو ندبه أو لوجههما والمراد بالوجه الغاية التي لأجلها كان ذلك الحكم وهو كونه لطفا في التكاليف العقلية أو كونه اخلالا بالمفسدة الحاصلة في الترك وعند أبي القاسم البلخي من المعتزلة كونه شكرا لنعم الله تعالى وعند الأشعرية ان الاحكام انما شرعت لمجرد الأمر والنهي لا لأجل غاية أخرى بناء على نفي قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ونفي الغرض عن أفعاله تعالى ثم الظاهر أن هذا الحكم من المصنف مبنى على ما ذكره في كتبه الكلامية وفاقا للمحقق الطوسي وغيره ممن يذهب مذهب العدل انه يشترط في استحقاق الثواب على فعل الواجب ان يوقع لوجوبه أو لوجه وجوبه والمندوب كذلك لا للذة أو عادة أو غيرهما والظاهر من كلام المصنف انه وجب عليه الجمع بين غاية التقرب والوجوب التعليلي فلو فعله لوجوبه من غير ملاحظة التقرب أو فعله متقربا من غير أن يكون الوجوب علة للفعل وان لاحظ اتصافه بالوجوب لم يكف ومن هنا يظهر ان القائلين باشتراط نية الوجوب أو الندب منهم من يكتفي بقصد أحدهما من غير ملاحظة تعليل الفعل به كما هو ظاهر الأكثر ومنهم من لم يكتف بذلك بل الشهيد رحمه الله في الدروس جمع بين الوجوب الوصفي والتعليلي في نية الصلاة وقد ينقل عن الشهيد رحمه الله ان ذكر الوجوب هنا لاخراج عبادة وفيه ان القربة كاف لاخراج الرياء ومما استدل به على اشتراط نية الوجوب أو الندب وجهان الأول ان ايقاع الفعل على وجهه واجب لا يتم الا بذلك ورد بأنه ان أريد بوجوب ايقاع الفعل على وجهه ايقاعه على الوجه المأمور به شرعا فمسلم لكن كون النية المذكورة مما يعتبر شرعا أول البحث وان أريد به ايقاعه مع قصد وجهه الذي هو الوجوب أو الندب فممنوع وهل هو الا مصادرة الثاني ان الوضوء يقع تارة على وجه الوجوب وتارة على وجه الندب فحيث كان أحد الامرين مطلوبا اشتراط تشخيصه بأحد الامرين ليتميز عن مقابله وفيه ان اجتماع القسمين في زمان واحد ممنوع على أن التميز لا يتوقف على ما ذكرتم لجواز حصوله بالغاية واستدل نا في الاشتراط بمفهوم الحصر في قوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله الآية فلو زيد عليه لكان نسخا لمنافاة الزيادة له واستضعف بمنع ان مطلق الزيادة مناف للاخلاص والحصر بل انما ينافيهما ما ينافي الاخلاص والأولى التمسك بأصل الإباحة واطلاق الآية قال المحقق في بعض تحقيقاته الذي ظهر لي ان نية الوجوب والندب ليست شرطا في صحة الطهارة وانما يفتقر الوضوء إلى نية القربة وهو اختيار الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله في النهاية فان الاخلال بنية الوجوب ليس مؤثرا في بطلانه ولا اضافتها مضرة ولو كانت غير مطابقة لحال الوضوء في
(٢٣)