انما يحكم بطهارته إذا خلا البدن عن النجاسات العينية هذا تلخيص ما ذكره المحقق ثم قال فقد بان ضعف ما ذكره المتأخر اللهم الا ان نقول الميت ليس بنجس وانما يجب الغسل تعبدا كما هو مذهب الشافعي لكن هذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو جعفر فإنه ذكر انه نجس باجماع الفرقة وقد سلم هذا المتأخر نجاسته ونجاسة ما يلاقى بدنه ولو قال إذا (انا نوجب) أوجب غسل ما لاقي بدنه ولا نحكم بنجاسة ذلك الملاقى قلنا فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة والطهارة به لو كان ماء ثم يلزم ان يكون الماء الذي يغسل به الميت طاهرا مطهرا ويلزم حينئذ ان يكون ملاقاته مؤثرة في الثوب منعا وغسلا وغير مؤثرة في الماء القليل وهو باطل انتهى ولعله أراد من النجاسة التي نقل الاجماع على تنجيس المائع بوقوعها فيه أعم من المتنجس حتى يتم التقريب ولو تم ذلك يندفع كلام ابن إدريس والمصنف وكأنهما ينازعان في ثبوت الاجماع المذكور ثم اعلم أن ثبوت التأثير بالنجاسة في ميت الآدمي انما يكون بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل واما بعد التطهير فهو طاهر باجماع أهل العلم كما ذكره المحقق وتدل عليه رواية إبراهيم ابن ميمون السابقة ولو صلى مع نجاسة ثوبه أو بدنه عامدا أعاد في الوقت وخارجه نقل الفاضلان الاجماع عليه وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وان نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رايته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول وصحيحة إسماعيل الجعفي وحسنة محمد بن مسلم وقد مضتا في حكم الدم الذي هو أقل من الدرهم وحسنة عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل ان يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى وإن كان يرى أنه أصاب شئ فنظر فلم ير شيئا اجزاءه ان ينضحه بالماء إلى غير ذلك من الاخبار واطلاق الأصحاب يقتضى عدم الفرق بين ان يكون عالما بالحكم الشرعي أو جاهلا بل صرح المصنف وغيره بان جاهل الحكم عامد لان العلم ليس شرطا للتكليف واستشكله بعضهم لقبح تكليف الغافل ثم قال الحق انهم ان أرادوا بكون الجاهل كالعامد انه مثله في وجوب الإعادة في الوقت مع الاخلال بالعبادة فهو حق لعدم حصول الامتثال المقتضى لبقاء المكلف تحت العهدة وان أرادوا انه كالعامد في وجوب القضاء فهو على اطلاقه مشكل لان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل فان ثبت مطلقا أو في بعض الصور ثبت الوجوب والا فلا وان أرادوا انه كالعامد في استحقاق العقاب فمشكل لان تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق نعم هو مكلف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل أو الشرع فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول انتهى وبالجملة الظاهر أن التكليف متعلق بمقدمات الفعل كالنظر والسعي والتعلم والا لزم تكليف الغافل أو التكليف بما لا يطاق والعقاب يترتب على ترك النظر لكن لا يبعد ان يكون متضمنا لعقاب التارك مع العلم ولا يخفى انه يلزم على هذا ان لا يكون الكفار مخاطبين (بالأحكام وانما يكونون مخاطبين) بمقدمات الاحكام وهذا خلاف ما قرره الأصحاب وتحقيق هذا المقام من المشكلات والغرض الفقهي متعلق بحال الإعادة والقضاء وهما ثابتان في المسألة المذكورة بعموم الأخبار السابقة والناسي يعيد في الوقت خاصة اختلف الأصحاب في حكم الناسي فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف والمفيد في المقنعة والمرتضى في المصباح وابن بابويه وابن إدريس إلى أنه كالذاكر يجب عليه الإعادة مطلقا ونقل ابن إدريس الاجماع عليه ونقل المصنف في التذكرة عن الشيخ في بعض أقواله انه لا يعيد مطلقا وذهب الشيخ في الاستبصار إلى أنه بعيد في الوقت خاصة واختاره المصنف هنا ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الروايات فتدل على الأول صحيحة زرارة قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من مني فعلمت اثره إلى أن أصبت الماء فأصبت وقد حضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ثم اني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة وتغسله والقطع في هذه الرواية غير ضار على ما أشرنا إليه مرارا مع أنه أسنده الصدوق في كتاب علل الشرائع إلى الباقر عليه السلام وصحيحة عبد الله أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام السابقة في حكم الدماء المعفو عنه وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن كان أصاب ثوب الرجل الدم يصلي فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وان هو علم قبل ان يصلي فنسى فصلى فعليه الإعادة وموثقة سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى ان يغسله حتى يصلي قال يعيد صلاته (كالتهيم) بالشئ إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه وروى الحسن بن زياد قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه نكتة من بوله فيصلي ثم يذكره بعد انه لم يغسله قال يغسله ويعيد صلاته ورواية ابن مسكان قال بعثت بمسألة إلى أبي عبد الله عليه السلام مع إبراهيم بن ميمون قلت تسأله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي ويذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها قال يغسلها ويعيد صلاته ويدل عليه أيضا عموم الأخبار السابقة في المسألة المتقدمة ويدل على الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى ان يغسله فيصلى فيه ثم يذكر انه لم يكن غسله أيعيد الصلاة قال لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له وهذه الرواية كالصريحة في عدم الإعادة في الوقت بمعونة التعليل المفهوم من قوله عليه السلام قد مضت الصلاة وكتبت له قال المحقق في المعتبر وعندي ان هذه الرواية حسنة والأصول تطابقها لأنه صلى صلاة مشروعة مأمورا بها فيسقط الفرض بها ويؤيد ذلك قوله عليه السلام غفر لامتي الخطأ والنسيان وفي التعليل والتأييد الذي ذكره تأمل ومراده من الحسن ليس المعنى المصطلح فان سند هذه الرواية في أعلى مراتب الصحة وقد ذكر بعض الأصحاب ان هذه الرواية حسنة وانها لا تقاوم الأخبار الصحيحة وهو وهم وكانه جرأه على ذلك الجري على ظاهر عبارة المعتبر من غير مراجعة إلى الأصول وحمل الشيخ النجاسة المذكورة في هذه الرواية على النجاسة المعفو عنها وهو بعيد جدا وجمع الشيخ في الاستبصار بين الروايات بالتفصيل الذي نقل عنه واستدل عليه بما رواه علي بن مهزيار قال كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل وانه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك انه اصابه ولم يره وانه مسحه بخرقة ثم نسى ان يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى فاجابه بجواب قرأته (بخطه) إما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ الا ما تحققت فان تحققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات التي صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت وإذا كان جنبا أو صلى أو على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد ولعل مراده عليه السلام بقوله الثوب خلاف الجسد جواب سؤال مطوي كان سائلا يقول كما أن طهارة الثوب عن الأخباث شرط في صحة الصلوات فكذلك الطهارة عن الاحداث فما الوجه في وجوب الإعادة مطلقا عند فقدان الثانية دون الأولى فأجاب عليه السلام بان الطهارة الثانية متعلقة بالبدن والأولى بالثوب والثوب خلاف البدن فلا يلزم انسحاب حكم البدن في الثوب مطلقا وان صحت المشاركة في الحكم أحيانا كما في محل البحث باعتبار النجاسة الخبثية ويحتمل على بعد أن يكون المراد ان نجاسة الثوب العينية خلاف نجاسة البدن الحكمية واستضعف هذه الرواية جماعة لجهالة الكاتب والمكتوب إليه وفيه انه لا يضر جهالة الكاتب إذ المدار على قول علي بن مهزيار الثقة حيث قال فاجابه بجواب قراءته بخطه واما المكتوب إليه فالظاهر أنه الإمام عليه السلام بالتقريب المذكور مرارا ومثل هذه المكاتبة لا تضعف عن المشافهة بشهادة العدل وقد يقال في هذه الرواية اشكالات الأول انها تقتضي عدم اشتراط طهارة أعضاء الوضوء قبل ورود مائه عليها الثاني ان اليد الماسحة لا ريب في تنجسها بما مسه فتنجس الرطوبة التي عليها فكيف يصلح المسح بالبلل النجس الثالث ان قوله عليه السلام كنت حقيقا ان تعيد الصلوات التي صليتهن بذلك الوضوء بعينه يعطى انه لو أحدث عقيب ذلك الوضوء وتوضأ وضوء اخر وصلى به صلوات فإنه لا يعيدها مع أن العلة مشتركة ويمكن رفع الاشكالات إما الأول فبمنع اشتراط طهارة أعضاء الوضوء قبل ورود الماء وتجويز رفع الخبث والحدث بغسل واحد إذ لا دليل على الاشتراط المذكور واما الثاني فلانه ليس في الرواية ما يدل على نجاسة جزء اليد الملاقى للرأس حين التمسح بالدهن حيت ينجس الرأس فينجس اليد ثانيا بملاقاة الرأس عند مسح الوضوء وفيه انه على هذا لم يكن شئ منه نجسا بناء على طهارة أعضاء الوضوء أيضا وهذا ينافي الحكم في الخبر بالإعادة في الوقت بناء على النجاسة والوجه انه يلتزم نجاسة الرأس بالادهان ويقال ليس في الخبر ما يدل على نجاسة جميع اجزاء الرأس ولا يجب الاستيعاب في مسح الرأس حتى يلزم نجاسة اليد بمسح الرأس ولا ما يدل على مسح الرجلين باليد
(١٦٧)