وجوبه وندبه وما يقول المتكلمون من أن الإرادة تؤثر في حسن الفعل وقبحه فإذا نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد ايقاع الفعل على غير وجهه كلام شعري ولو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيته ولم تكن البينة مخرجة للوضوء عن التقرب به انتهى كلامه وهو حسن متقربا إلى الله تعالى والمراد به موافقة إرادة الله تعالى وامتثال امره أو نيل الثواب عنده تشبيها لرفعة الشأن بقرب المكان ولا ريب في اجزاء الأول وكونه أفضل من الثاني لكونه أقرب إلى درجة الاخلاص وأنسب بمقام العبودية وعليه مدائح كثيرة في الكتاب والسنة واما الثاني وهو طلب الثواب وفي حكمه الخوف من العقاب فقد نقل الشهيد رحمه الله في قواعده عن الأصحاب القول ببطلان العبادة بهاتين الغايتين وبه قطع السيد رضي الدين ابن طاوس ثم اختار الشهيد في القواعد وفي الذكرى الصحة محتجا بان قصد الثواب لا يخرج عن ابتغاء الله بالعمل لان الثواب لما كان من عند الله فمبتغيه مبتغ لوجه الله في الجملة ولا يقدح كون تلك الغاية باعثة على العبادة لان الكتاب والسنة مشتملة على المرهبات والايعاد بالعقوبات وعلى المرغبات من المدح والثناء في العاجل والجنة ونعيمها في الاجل قال رحمه الله ولو قصد المكلف الطاعة لله تعالى وابتغاء وجهه كان كافيا و يكفي عن الجميع قصد الله سبحانه هذا ما افاده رحمه الله ويدل على اجزاء العبادة بهما كثير من الظواهر كقوله تعالى يدعون ربهم خوفا وطعما ويدعوننا رغبا ورهبا وقوله تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا واستدل بعضهم في ذلك إلى قوله تعالى يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون اي راجين للفلاح أو لكي تفلحوا قاله الطبرسي وللتأمل فيه مجال ومما يؤيد اجزاء الصلاة ما روى عنهم عليهم السلام من بلغة ثواب من الله على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أؤتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه وغير ذلك مما يدل على المدح بالاعمال خوفا ورجاء في الأخبار الكثيرة بل يستفاد ذلك من الترغيبات والترهيبات المشتمل عليها الكتاب والسنة ويؤيد ذلك صعوبة الخلاص من ذلك خصوصا بالنسبة إلى العوام ومن قصرت درجته عن منازل الكاملين فتكليفهم بمثل هذه المرتبة التي لا يصل إليها إلا أخلص العارفين بعيد نعم بين هذه المرتبة والمرتبة السابقة بون بعيد وأشار الصادق عليه السلام إلى تفاوت درجات العباد فيما روى عنه هارون بن خارجه في الحسن قال إن العباد ثلثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء وقوم عبدوا الله عز وجل حباله قتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة وهذا يدل على اجزاء غيرها وبالجملة الظاهر أن المكلف إذا اتى بالفعل لله من غير قصد اخر أو امتثالا لأمر ما وموافقة لإرادته أو لكونه أهلا للعبادة أو حباله أو انقيادا أو إجابة لدعوته أو ابتغاء لمرضاته إلى غير ذلك كان مجزيا وانما اثر الأصحاب لفظ القربة مع غموض معناها اقتفاء لوقوعها كثير في الألفاظ الشرعية كقوله تعالى الا انها قرية لهم وقوله تعالى ويتخذ ما ينفق قربات وقوله عليه السلام أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد ثم لا يخفى ان الأقرب في الاستدلال على وجوب القربة بالاخبار الدالة على تحريم الرياء في العبادات مطلقا وايجاب ان يكون الأعمال لله واما الاستدلال عليه بقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله الآية بأنه حصر فيها غاية كل أمر في العبادة حال الاخلاص ولو حصل الامتثال بدون الاخلاص لم تكن الغاية منحصرة فيه والضمير وإن كان لأهل الكتاب لكن يثبت حكمه في حقنا قوله تعالى بعد ذلك وذلك دين القيمة اي المستمرة على جهة الصواب على ما قاله الإمام الطبرسي فللتأمل فيه مجال إذ يجوز ان يكون المراد بالاخلاص تخصيص العبادة بالله تعالى من دون غير من الألهة كقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الها واحدا لا اله الا هو سبحانه وتعالى عما يشركون وقوله تعالى قل انما أمرت ان أعبد الله ولا أشرك به وقوله تعالى أمر ان لا تعبدوا الا إياه ذلك الدين القيم وما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل حنيفا مسلما قال خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة الأوثان وأيضا ليس هنا حصر الغاية في مجرد العبادة في حال الاخلاص بل ضم إليه الصلاة والزكاة فلا يلزم وجوب الاخلاص في عبادة وأيضا يجوز ان يكون المراد من الدين الملة أو يكون المراد الطاعة لكن يكون التعريف للعهد إشارة إلى الطاعة التي يتحقق به أصل الدين ويؤيده قوله تعالى وان الدين عند الله الاسلام وقوله تعالى من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وعلى هذا لا يلزم الا وجوب الاخلاص في أصل الدين والملة لا في كل عبارة وكذا الاستدلال بقوله تعالى فادعوا الله مخلصين له الدين لمنع ان المراد بالاخلاص فيه نية التقرب ومنع العموم في كل عبادة لان الامر لا يدل على التكرار وكذا قوله تعالى قل الله أعبد مخلصا له ديني بناء على وجوب التأسي لما فيه من بعض المنوع السابقة على أن وجوب التأسي انما يكون عند العلم بوجه الوجوب واثباته هنا يحتاج إلى بيان وفي وجوب نية رفع الحدث أو الاستباحة للصلاة أو شئ اخر مشروط بالوضوء قولان احتج النافي بالأصل والموجب بقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا اي لأجل الصلاة فان ذلك هو المفهوم منه لغة فإذا قيل إذا لقيت الأمير فخذا هبتك وإذا لقيت الأسد فخذ سلاحك يفهم منه طلب الاخذ لأجل لقاء الأمير والأسد ولا معنى لفعله لأجل الصلاة الا نية استباحتها به وفيه بحث لان غاية ما يلزم مما ذكرتم ان يكون الوجوب لأجل الصلاة على أن يكون الظرف قيدا للوجوب لا وجوب الوضوء لأجل الصلاة على أن يكون الظرف قيد ا للوضوء حتى إذا لم يصدر عنه الوضوء المعلل المغيى بكونه لأجل الصلاة لم يكن ممتثلا على أنه لو سلم ذلك لا يلزم منه وجوب نية الاستباحة عند الفعل كما يدعونه ويرد عليه أيضا ان هذا الدليل لو تم لدل على وجوب نية الاستباحة تعيينا كما هو مذهب المرتضى لا التخيير بينه وبين الرفع لان المستفاد من الآية وجوب نية الاستباحة كما ادعوا فإن كان ذلك ظاهرا في الوجوب العيني ثبت ما قلنا والا فلا خفاء في أن القول بكون شئ قائما مقامه بدلا عنه يحتاج إلى دليل فإذا انتفى الدليل كان القول بتعين الاستباحة متعينا فاندفع ما يقال في الجواب من أن الاستباحة أحد الفردين الواجبين واحد افراد الواجب المخير يصدق عليه الوجوب بقول مطلق ثم نقول إما ان يكون نية الرفع يستلزم نية الاستباحة أم لا وعلى الأول كان صحة النية باعتبار اشتماله على نية الاستباحة المطلوبة وكان ضم الرفع إليه لغوا عبثا لا عبرة به وعلى الثاني كانت النية غير صحيحة لعدم اشتمالها على نية الاستباحة المطلوبة فلا معنى للتخيير فاندفع ما يقال في الجواب من أن نية الرفع يستلزم فيه الاستباحة ولا يحتاج دفعه إلى تكلف دفع الاستلزام البين كما ارتكبه الشارح الفاضل إذ الظاهر أن المراد يرفع الحدث رفع الحالة التي لا يصح معها الدخول في الصلاة وغيرها من غايات الوضوء وهذا مستلزم للاستباحة لزوما بينا فان منعه مانع كان للقائل بالتخيير أن يقول إن مرادنا برفع الحدث هذا المعنى فلا وجه لمنعه وتجب استدامتها حكما إلى الفراغ بمعنى ان لا ينوى نية تنافي النية الأولى بان يقصد ابطال العمل أو ما يعلم أنه يبطل العمل أو يقصد ببعض الأجزاء الرياء أو غاية أخرى غير التقريب وان رجع إلى النية الصحيحة قبل الاتيان بشئ من الافعال أو بعده مع عدم جفاف الأعضاء السابقة صح وضوءه وهذا الحكم بناء على ما ذكرنا من أن الاخبار والاجماع دالان على وجوب ان يكون الفعل لله وأن يكون القصد منه التقريب فإذا نوى في الأثناء نية أخرى مخالفة للنية الأولى لم يكن ما يأتي به بعد تليك النية لله تعالى ولم يقصد به التقريب إليه فلم يصدق ان مجموع العمل لله إما لو رجع إلى القصد الأول كان المجموع حاصلا بالغرض الصحيح ولم يثبت ان تخلل هذه النية الفاسدة ضائر وقال ابن زهرة في الغنية الغرض الثالث استمرار حكم هذه النية إلى حين الفراغ من العبادة وذلك بان يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها بالاجماع وفسر الشهيد الاستدامة الحكيمة في الذكرى بالبقاء على حكمها والعزم على مقتضاها استنادا
(٢٤)