الأصل هو الطهارة بمعنى براءة الذمة من التكليف بواحد من الامرين واعتبار هذا التوجيه في الحكم الأول أولي وقد تلخص مما حكيناه توجيهات ثلثة للحكم الثاني إما الأول ففيه نظر لما ذكر من عدم جريان القاعدة فيها ولو سلم فلا نسلم صحة القاعدة المذكورة إذ غاية ما يستفاد عند السلامة عن امارة الخلاف الظن بناء على أن الحاق الفرد بالأغلب مظنون وحجية هذا الظن يحتاج إلى دليل واما الثاني فان قصد ان الأصل طهارة الأشياء بحكم العقل ففيه نظر وان قصد ان الأصل طهارتها بالدليل فحسن لكن كان الأولى الإشارة إليه واما الثالث ففيه نظر لأنه قد ثبت التكليف بالصلاة واشتراطها بطهارة الثياب فتحصيل اليقين بالبراءة يكون موقوفا على العلم بالطهارة وهو منتف فيما نحن فيه فالأولى التمسك في الحكم المذكور بقول الصادق عليه السلام في موثقة عمار كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر وتؤيده رواية عبد الله بن سنان قال سال أبي أبا عبد الله عليه السلام وانا حاضر اني أعير الذمي ثوبي وانا اعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرد علي فاغسله قبل ان أصلي فيه فقال أبو عبد الله عليه السلام صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه (لا باس ان تصلي فيه حتى تتيقن انه نجسه) وقد مر ما يدل عليه في مسألة الإنائين المشتبهين واما الحكم الأول ففيه اشكال لما عرفت من ضعف القاعدة ووقوع التعارض بين أدلة العفو والأدلة الدالة على وجوب إزالة الدم وامكان التخصيص في كل منهما ولقائل ان يرجح عدم العفو بناء على أن اليقين ببراءة الذمة يتوقف عليه فتدبر جدا الخامس قال المصنف في النهاية لو كان الدم اليسير في ثوب غير ملبوس أو في متاع أو في انية أو آلة فاخذ ذلك بيده وصلى وهو حامل له احتمل الجواز لعموم الترخيص والمنع لانتفاء المشقة وفيه نظر لمنع عموم الترخيص ومنع كون العلة في الترخيص هي المشقة حسب والأول أقوى للأصل السالم عن المعارض فان الحكم بوجوب طهارة لباس المصلي على خلاف الأصل مستفاد من الأدلة المختصة به فلا ينسحب في غيره الا بدليل اخر وليس فليس غير الثلاثة لا نعرف بين الأصحاب خلافا في أن دم الحيض لا يعفى عن كثيره وقليله في الصلاة وفي عبارة المعتبر اشعار بعدم الخلاف حيث نسب هذا الحكم إلى الأصحاب وتدل عليه رواية أبي سعيد المكاري عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فان قليله وكثيره في الثوب ان رآه وان لم يره سواء قال المحقق لا يقال الراوي عن أبي بصير أبو سعيد وهو ضعيف والفتوى موقوفة عن أبي بصير وقوله ليس بحجة لأنا نقول الحجة عمل الأصحاب بمضمونه وقبولهم له وان أبا جعفر بن بابويه قاله والمرتضى والشيخان واتباعهما وما ذكره المحقق حسن الا ان ما ذكره من كون الفتوى موقوفة على أبي بصير محل النظر لان الامر كذلك في التهذيب واما في الكافي فمسند إلى أحدهما عليهما السلام ثم قال ويؤيد ذلك أن مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل الدم وكثيره عملا بالأحاديث الدالة على إزالة الدم كقوله عليه السلام لأسماء حتيه ثم اقرضيه ثم اغسليه بالماء وما رواه مسورة بن كليب عن أبي عبد الله عليه السلام عن الحائض قال تغسل ما أصاب ثيابها من الدم لكن ترك العمل بذلك في بعض الدماء لوجود المعارض فلا يجب العمل به في الباقي وفي هذا التأييد تأمل وان قطع النظر عن ضعف الاسناد لان النسبة بين هذين الخبرين وما دل على العفو في الناقص عن الدرهم عموم من وجه فارتكاب التخصيص في أحدهما دون الأخر يحتاج إلى دليل ولعل الحجة عمل الأصحاب واتفاقهم لان أحد التأويلين إذا وافق عمل الطائفة فهو أولي وبذلك يندفع ضعفهما وعلى انه إذا لم يثبت الترجيح كان العمل بالخبرين متعينا لتوقف اليقين بالبراءة من التكليف الثابت عليه واما المناقشة على كلامه بأنه لم يظهر في الاخبار المعتمدة حديث مطلق في ايجاب إزالة الدم بحيث يصلح لتناول القليل من دم الحيض بل هي إما ظاهرة في الكثير أو مفروضة في غير دم الحيض فمندفع بما أشرنا إليه في مبحث نجاسة الدم من أنه يستفاد من الاخبار بحسب القرائن ايجاب إزالة الدم مطلقا وقد يقال يمكن التمسك في هذا الحكم بالاخبار الدالة على منافاة نجاسة ثوب المصلي لصحة صلاته فان ذلك واردة في عدة أحاديث معتبرة ومن البين ان ملاقاة دم الحيض وان قل مقتضية للتنجيس ويعضد هذا الاعتبار ظاهر قوله تعالى وثيابك فطهر ملاحظة وجوب التأسي على ما هو محقق في الأصول ودليل العفو عن قليل (الدم) غير صالح لتناول دم الحيض فلا مقتضى لخروجه عن عموم الحكم المستفاد من تلك الأخبار وفيه نظر لأن الظاهر من الأخبار الدالة على العفو العموم فيختص به عموم الأخبار المذكورة فارجع وتدبر واما دم الاستحاضة والنفاس فقد نسب المحقق إلى الشيخ الحاقهما بدم الحيض في الحكم المذكور ثم قال ولعله نظر إلى تغليظ نجاسته لأنه يوجب الغسل واختصاصه بهذه المزية يدل على قوة نجاسته على باقي الدماء فغلظ حكمه في الإزالة وقد يوجه الحاق النفاس بأنه دم حيض محتبس وفي التوجيهين تأمل إما الأول فظاهر و إما الثاني فلان الحكم معلق على دم الحيض وهو غير صادق على النفاس ودم نجس العين قال المحقق والحق بعض فقهاء العجم منا دم الكلب والخنزير ولم يعطنا العلة ولعله نظر إلى ملاقاة جسدهما (ونجاسة جسدهما) غير معفو عنه وقد حكى المصنف في المختلف عن الراوندي وابن حمزة الحاق دم الكلب والخنزير والكافر بالدماء الثلاثة وعن ابن إدريس منعه مدعيا انه خلاف اجماع الامامية ثم اختار الالحاق استنادا إلى توجيه يرجع محصله إلى ما أشار إليه المحقق والحق ان الأخبار الدالة على العفو شاملة لدم نجس العين وشموله له يجري مجرى النطق به فاخراجه عنه يحتاج إلى دليل خاص وما يقال من أن الحيثية مرعية في جميع هذه المواضع والحكم منوط بها فالعفو متعلق بنجاسة الدم من حيث هي فإذا انضم إليها حيثية أخرى كملاقاة جسم نجس كان لتلك الحيثية المنضم إليها حكم نفسها وفيه نظر لمنع دلالة الكلام على الحيثية المذكورة وقد ذكرنا نظير ذلك وأوضحناه في مسألة النزح لموت الانسان في البئر على أن استفادة النجس نجاسة أخرى من ملاقاة النجاسة يحتاج إلى دليل فان الاجماع لا يساعد عليه ولا دليل له سواه فتدبر وعفى أيضا عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه حال كونه منفردا كالتكة والجورب وشبههما في محالها وان نجسا بغير الدم لا نعرف في أصل هذا الحكم خلافا بين الأصحاب وان اختلفوا في تفصيله وتدل عليها روايات كثيرة منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمن عمن اخبره عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي في الخف الذي قد اصابه قذر فقال إذا كان مما لا يتم فيه الصلاة فلا باس وهذه الرواية من الروايات المعتمدة والارسال فيها غير ضائر لان الراوي عن حماد بن عثمن صفوان بن يحيى والظاهر من علو درجته وجلالة قدره انه لا يروى الا ما صح عنده ولهذا أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وكذا حماد بن عثمان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فالظاهر أنه لا يروى الا عن الثقات ومنها ما رواه عن زرارة في الموثق عن أحدهما عليهما السلام قال كل ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده فلا باس بان يكون عليه الشئ مثل القلنسوة والتكة والجورب وما رواه زرارة أيضا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي (ثم صليت) فقال لا باس وما رواه عن إبراهيم بن أبي البلاد عمن حدثهم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس بالصلاة في الشئ التي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة والتكة والجورب وما رواه عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل مالا تجوز فيه الصلاة وحده فلا باس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلي فيه وما رواه عن عبد الله بن سنان عمن اخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل ما كان على الانسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا باس ان يصلى فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك وضعف الاسناد في هذه الأخبار غير قادح لان التحاق بعضها ببعض مع اعتضادها بالشهرة وعمل الأصحاب ومخالفة العامة وعدم المعارض يكفي ناهضا باثبات المدعا إذا عرفت هذا فاعلم أن المحقق والشهيد في أكثر كتبه وجماعة من المتأخرين عمموا الحكم في كل ما لا يتم فيه الصلاة منفردا سواء كان ملبوسا أو محمولا وابن إدريس خص الحكم بالملبوس واختاره المصنف وزاد قيدا اخر وهو ان يكون في محالها وتبعه في القيدين الشهيد في البيان ونقل عن قطب الراوندي قصر الحكم على خمسة أشياء القلنسوة والتكة والجورب والخف والنعل والأقرب الأول للأصل فان غاية ما يستفاد من الأدلة وجوب طهارة ثياب المصلي من النجاسة إما طهارة محمولة فلا دليل عليه وتعضده مرسلة عبد الله بن سنان واطلاق رواية زرارة السابقتان فروع الأول الحق الصدوق بما ذكر العمامة استنادا إلى أن الصلاة لا تتم فيها وحدها وهو المنقول عن والده في الرسالة وحكى في المعتبر عن الراوندي أنه قال يحمل على عمامة صغيرة كالعصابة لأنها لا يمكن ستر العورة بها وبالجملة حملها على العمامة الكبيرة مشكل لأنه يمكن ستر العورة بها ويمكن ان يكون المراد انه لا يمكن ستر العورة بها إذا كانت على تلك الكيفية المخصوصة والمسألة محل اشكال للشك في صدق الثوب على العمامة عرفا وإذا لم يصدق عليها الثوب كان القول بالالحاق متجها لان الدليل الدال على وجوب تطهير لباس المصلي مختص بالثوب فيبقى غيره على الأصل
(١٦٠)