جواز ادخال الحيض من النساء في المساجد مع عدم انفكاكهن من النجاسة وكذا الصبيان على ما نقل الشهيد رحمه الله ويؤيده قوله عليه السلام في صحيحة معاوية ابن عمار الواردة في المستحاضة و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء ويتحقق تلويث المسجد بتلويث شئ من اجزائه والآية المختصة به وفي الأخير تأمل ان لم يثبت الاجماع عليه والحق الشهيدان بالمسجد في هذا الحكم الضرائح المقدسة والمصحف والآية الخاصة به كالجلد وقد قطع الأصحاب بوجوب الإزالة على الفور كفاية لعموم الخطاب ولو ادخلها مكلف فهل يتعين عليه الاخراج الظاهر العدم وفاقا للشارح الفاضل وخالف فيه الشهيد في الذكرى ولو أخل بالإزالة وصلى مع ضيق الوقت صحت صلاته ولو صلى مع السعة ففيه قولان مبنيان على أن الامر بالشئ هل يستلزم النهى عن ضده الخاص وان النهى في العبادة هل يستلزم الفساد والمسألتان من غوامض المسائل الأصولية واستيفاء الكلام فيهما لا يناسب وظيفة الكتاب الا اني أشير إلى ما هو التحقيق عندي في المسئلتين إشارة اجمالية إما الأولى فنقول في تحقيقه ان اتصاف الاعدام بمثل الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة وأمثالها من الأمور التي هي مبدأ الآثار الخارجية ليست من حيث الذات بل باعتبار الامر الذي هو منشأ انتزاعها لان العدم أمر عقلي اعتباري لا تحصل له في الخارج انما حصوله في الأذهان فقط فلا يمكن ان يكون مبدأ للأثر الا باعتبار الأصل المأخوذ منه فالحكم منسوب إلى أصله بالذات والحقيقة واليه بالعرض والمجاز إذا تمهد هذا فنقول إذا كلف الشارع بالصلاة مثلا فلا شك ان نقيض الصلاة وهو عدمها قبيح مكروه للامر وليس العدم صادرا عن المكلف ولا قبيحا ولا اختياريا الا باعتبار ما ينتزع منه وهو السكون أو حركة آخر ضد للصلاة فيكون كلا الامرين قبيحا فيكون منهيا وبالجملة عدم كل حركة لا يكون مكلفا به أمرا ونهيا الا باعتبار السكون أو حركة اخر ضدها على سبيل التخيير في الامر والجمع في النهي وهذه المقدمة ظاهرة لمن أنعم النظر وان غفل عنها كثير من الأزكياء وحينئذ لا احتياج إلى أن يقال الأضداد الخاصة مقدمة للترك فيكون مثله في الحكم حتى يعترض عليه الموقوف عليه للترك انتفاء علل الوجود كالإرادة والشوق والتصور وليس وجود الضد (من علل انتفاء الضد) الأخر انما هو من مقارناته واما الثانية فنقول إذا كلف الشارع بالطبيعة الكلية فذلك يقتضي حسنها وكونها مصلحة ومرادا على الأصول العدلية والطبيعة الكلية لا يتصف بذلك الا باعتبار ايجادها مع افرادها في الخارج فحينئذ لا يخلو إما ان يكون كل فرد منها حسنا ومصلحة مرادا أم يكون بعض الافراد كذلك دون بعض لا سبيل إلى الثاني لأنه لم يكن على هذا التقدير القدر المشترك بين تلك الافراد مصلحة مرادا بل كان المتصف بذلك بعض الافراد فلم يكن غرض الحكيم متعلقا بايجاد الطبيعة على اي وجه كان بل كان الغرض الحكمي متعلقا بايجاد بعض افرادها الخاصة فلم تكن الطبيعة مكلفا به وبالجملة تعلق الإرادة بالطبيعة الكلية يقتضى ان لا يكون بعض افرادها منافيا للمراد والا لكانت الإرادة متعلقة بما عداه هذا خلف وهذه المقدمة ظاهرة بعد التدبر البالغ إذا تمهد هذا فنقول لا شك في أن المنهى عنه قبيح تعلقت الإرادة بتركه فلا يمكن ان يكون فردا للطبيعة المأمور بها على ما بينا فلا يحصل به الامتثال فيلزم الفساد فتدبر جدا وعن الآنية للاستعمال إذا كان الاستعمال موجبا لتعدي النجاسة مشروطا بالطهارة كالاكل والشرب اختيارا للاجماع وكذا يجب ازالتها عن مسجد الجبهة للنص وعن المساجد السبعة عند أبي الصلاح وعن المصلي باسره عند المرتضى والظاهر من مذهب المصنف ومن تبعه حيث لا يوجبون الشرط قبل وجوب المشروط تقييد الحكم بدون الوقت وعفى في الثوب والبدن عن دم القروح والجروح اللازمة ولا اعلم في أصل العفو عن هذا الدم خلافا بين الأصحاب وتدل عليه اخبار كثيرة منها ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلي فقال يصلي وإن كانت الدماء تسيل وصحيحة ليث المرادي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مبلوة دما وقيحا فقال يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شئ عليه وعن ليث أيضا في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مبلوة دما وقيحا وثيابه بمنزلة جلده قال يصلي في ثيابه ولا شئ عليه ولا يغسلها ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الصحيحة على الظاهر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي فقال دعه فلا يضرك ان لا تغسله ورواية أبي بصير الملحقة بالصحاح على الظاهر قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلي فقال لي قائدي ان في ثوبه دما فلما انصرف قلت له ان قائدي اخبرني ان في ثوبك دما فقال إن بي دماميل و لست اغسل ثوبي حتى تبرأ ورواية سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان بالرجل جرح فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسل حتى تبرأ وينقطع الدم وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة قال يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة إذا عرفت هذا فاعلم أن كلام الأصحاب مختلف في تعيين الحد الموجب للترخيص فقيل بالعفو عنه مطلقا إلى أن يبرأ القروح والجروح سواء شقت ازالته أم لا وسواء كان له فترة ينقطع فيها أم لم يكن واختاره الفاضل الشيخ علي والشارح الفاضل وجماعة من المتأخرين عنه وهو الظاهر من كلام الصدوق في الفقيه الا انه خص الحكم بالجرح فقال وإن كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا باس بان لا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم واعتبر بعضهم سيلان الدم دائما وعدم الانقطاع وهو المستفاد من كلام المفيد في المقنعة والمصنف في بعض كتبه والشهيد في بعض كتبه وهو ظاهر الشيخ في الخلاف واعتبر المحقق في المعتبر السيلان في جميع الوقت أو تعاقب الجريان على وجه لا يتسع فتراتها لأداء الفريضة واختاره الشهيد في الذكرى وناط المصنف في القواعد العفو بحصول المشقة وهو الظاهر من كلام ابن زهرة في الغنية وجمع في المنتهى والتحرير بينه وبين عدم وقوف جريانها فجعلهما المناط في العفو وهو المستفاد من كلام ابن إدريس في السرائر وظاهر المصنف في النهاية اعتبار المشقة وحدها واستشكل وجوب إزالة البعض إذا لم يشق وأوجب فيها وفي المنتهى ابدال الثوب مع الامكان معللا بانتفاء المشقة فينتفي الترخيص واعلم أنه على هذا لا يبقى لهذا الدم خصوصية فان ايجاب إزالة البعض عند عدم المشقة يقتضي وجوب التحفظ عن التكاثر والتعدي بقدر الامكان وغير ذلك مغتفر في سائر النجاسات فلم يكن لهذا الدم خصوصية مع أن الظاهر أن لهذا الدم خصوصية والمنقول عن ظاهر جماعة منهم ان الخصوصية هنا ثابتة عند الكل ونقل عن الفاضل الشيخ علي انه ذكر في بعض مصنفاته ان الشيخ نقل الاجماع على عدم وجوب عصب الجرح وتقليل الدم بل يصلي كيف كان وان سال وتفاحش ان يبرأ قال وهذا بخلاف المستحاضة والسلس والمبطون إذ يجب عليهم الاحتياط في منع النجاسة وتقليلها بحسب الامكان وكلام الشيخ في النهاية والمبسوط مجمل فإنه جعل فيهما مناط العفو والجروح اللازمة والقروح الدامية قل أو كثر فيحتمل ان يكون مراده باللازمة ما كان باقيا لم يندمل ويحتمل ان يكون مراده بها ما استمر خروج الدم منه والظاهر الأول وبه فسر كلام المصنف الفاضل الشيخ علي واعترض عليه بأنه غير المعهود من مذهبه والحق انه غير بعيد بمن عادته من انتشار الرأي واختلاف المذهب خصوصا في هذه المسألة والقول الأول لا يخلو عن قوة لاطلاق الاخبار وعدم الاستفصال فيها وقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم وإن كانت الدماء تسيل ظاهر الدلالة على أولوية الحكم في صورة عدم السيلان وربما يتوهم من قوله في جملة هذا الحديث فلا تزال تدمى ان الحكم مفروض فيما هو دائم السيلان وهو ضعيف لا لان هذا القيد مذكور في السؤال والعبرة بالجواب لان الجواب معلق على ما وقع السؤال عنه وبيان حكم له ولا دلالة في الجواب على العموم بل لأنه ليس معنى قوله فلا يزال يدمى ان جريانها متصل دائما بل معناه ان الدم يتكرر خروجه منها ولو حينا بعد حين فإذا قيل فلان لا يزال يتكلم بكذا فكان معناه عرفا انه يصدر منه ذلك وقتا بعد وقت لا انه دائمي ورواية أبي بصير وسماعة دالتان على المدعا صريحا وبالجملة كون غاية العفو البرء أقوى مستفاد من الروايات وهل المراد بالبرء الاندمال أو الامن من خروج الدم فيه وجهان ويستفاد من الروايات أيضا انه لا يجب ابدال الثوب ولا تجفيف النجاسة ولا عصب موضع الدم بحيث يمنعه من الخروج وظاهر الشيخ في الخلاف انه اجماعي بين الطائفة وما ذكره المصنف في المنتهى من وجوب الابدال تدفعه الروايات خصوصا صحيحة ليث حيث قال عليه السلام فيها يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شئ عليه وينبغي التنبيه على أمور الأول قال المصنف في المنتهى لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثوب أو البدن بان يمس بالسليم من بدنه دم الجرح أو بالطاهر من ثوبه فالأقرب عدم الترخيص فيه واستحسنه صاحب
(١٥٧)