ولا يجب الحكم باستمرار التيمم إلى الفراغ قطعا وعند الفراغ لا يتمكن من استعمال الماء وقيل نعم وهو مذهب الشيخ في المبسوط واختاره المصنف في المنتهى ومال إليه في التذكرة لأنه متمكن من الماء عقلا والحكم معلق عليه ومنع الشرع من الأبطال لا يخرجه عن حقيقة التمكن لأنه صفة حقيقة لا يتغير بالأحكام الشرعية وعدم فساده بالنسبة إلى الصلاة التي هو فيها للاذن في اتمامها حذرا من ابطال العمل إما غيرها فلا مانع من بطلانها بالنسبة إليه وللمانع طريق في أدلة الطرفين لكن الظاهر بقرائن الأحوال ان المراد بقوله عليه السلام في صحيحة زرارة وغيرها يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء وجدان الماء الذي يتمكن من استعماله شرعا ولهذا لو وجد ماء مملوكا للغير مع منعه عن الاستعمال لم يبطل التيمم عند التمكن العاري عن استعمال فعلى هذا فالقول بعدم بطلان التيمم لا يخلو عن رجحان إذا ثبت عدم جواز ابطال الفريضة لكن إذا كان ذلك بعد الركعة الأولى وفرع بعضهم على قول الشيخ انه لا يجوز العدول إلى فائتة سابقة لانتقاض التيمم بالنسبة إلى كل صلاة غير هذه قال في الذكرى بعد أن استقرب الجزم بعدم انتقاض التيمم والاحتجاج عليه واما قضية العدول فابلغ في الصحة لان العدول إن كان واجبا والمعدول إليه بدل مما هو فيها بجعل الشرع فكيف نحكم ببطلانها وإن كان مستحبا كمن عدل عن الحاضرة إلى الفائتة عند من لم يقل بالترتيب بين الحواضر والفوائت فهو أيضا انتقال إلى واجب من واجب غايته ان الانتقال غير متعين وإن كان واجبا مخيرا وبالجملة المحكوم عليه بالصحة هو نوع الصلاة التي شرع فيها لا هذا الشخص بعينه والشيخ انما قال في حق الصلوات المستقبلة انتهى ولقائل أن يقول القائل ببطلان التيمم بالنسبة إلى الصلوات المستقبلة انما ينظر إلى اعتبار الوجدان العاري في زوال حكم التيمم فقوله لجواز اتمام الصلاة أو وجوبه كان مبنيا على النص الدال عليه فيجب الاقتصار على مورده وحينئذ نقول الظاهر من قوله عليه السلام يمضى في الصلاة المضي في الصلاة التي شرع فيها وبعد العدول لا يكون مضيا لهذه الصلاة فإذا أمكن المضي كان وجوبه منفيا وإذا تعذر لوجوب رعاية الترتيب كان التكليف بالمضي ساقطا ولا يلزم وجوب العدول ووجوب العدول مشروط ببقاء الطهارة بالنسبة إلى المعدول إليه وبالجملة صدق المضي على العدول في محل المنع الرابع لو كان في نافلة ثم وجد الماء احتمل مساواته للفريضة في جواز المضي لاطلاق الأخبار الدالة على المضي وبه جزم الشهيدان ويحتمل قويا انتقاض تيممه لانتفاء المانع من استعمال الماء عقلا وشرعا لجواز قطع النافلة الخامس لو كان في صلاة غير معينة عن القضاء كبعض الصور السالفة عند من أوجب القضاء فاستجود الشهيد البطلان لوجوب الإعادة بوجود الماء بعد الفراغ ففي أثناء الصلاة أولي قال ويمكن المنع لعموم النهى عن الأبطال والمحافظة على حرمة الصلاة انتهى وترجيح هذا الاحتمال بناء على اطلاق الرواية لا يخلو عن وجه السادس لو أحدث المتيمم في الصلاة ووجد الماء قال المفيد إن كان الحدث عمدا أعاد وإن كان نسيانا تطهر وبنى وتبعه الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن أبي عقيل حكم بالبناء في التيمم ولم يشترط النسيان بالحدث وشرطوا عدم تعمد الكلام وعدم استدبار القبلة واستندوا بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء قال يخرج ويتوضأ ثم يبنى على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم وفى صحيحة أخرى لزرارة ومحمد بن مسلم قال زرارة فقلت له دخلها وهو متيمم فصلى ركعة واحدث فأصاب ماء قال يخرج ويتوضئ ويبنى على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم وفى الفقيه ثم يبنى وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام القطع والبناء إذا وجد الماء ولم يذكر الحدث وقد سبقت والصدوق اورد الرواية الصحيحة فكأنه عامل بها وحسن المحقق في المعتبر ما قاله الشيخان قال لان الاجماع على أن الحدث عمدا يبطل الصلاة فيخرج من اطلاق الرواية ويتعين حمله على غير صورة العمد لان الاجماع لا يصادمه الرواية ولا باس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان فإنها رواية مشهورة وخالف ابن إدريس في هذا الحكم للتسوية بين نواقض الطهارتين وان التروك متى كانت من النواقض لم يفرق فيها بين العامد والناسي وعليهما منع ظاهر ووافقه المصنف وابن إدريس واحتج بان صحة الصلاة مشروطة بدوام الطهارة وقد زال شرطه فيزول الشروط وبأن الاجماع واقع على أن ناقض الطهارة مبطل للصلاة وبأن الصلاة لو فعلت بطهارة مائية انتقضت فكذا الترابية لأنها أحد الطهورين ولان الاجماع واقع على أن الفعل الكثير مبطل للصلاة وهو حاصل هنا بالطهارة الواقعة في الأثناء وما ذكره كله في معرض المنع وأجاب عن الخبر بانا نحمل الرواية على الصلاة كما تقدم اطلاقا لاسم الكل على الجزء وقوله يخرج ويتوضأ ويبنى على ما مضى من صلاته إشارة إلى الاجتزاء بتلك الصلوات السابقة على التيمم على أن الأحاديث لا تدل على التفصيل الذي ذكره الشيخان ولا يخفى ان التأويل الذي ذكره بعيد جدا فالعمل بمدلول الرواية لا يخلو عن قوة قال في الذكرى لفظة الرواية يبنى على ما بقى وليس فيها ما مضى فضعف التأويل وفيما عندنا من النسخ ما مضى موافقا وما ذكره من أن المراد بما مضى الصلوات التي صلاتها بالتيمم تامة محتمل قال بعض الأصحاب قوله عليه السلام في اخر الكلام التي صلى بالتيمم قرينة قوية على إرادة هذا المعنى وفيه تأمل والحق ان هذا الاحتمال لا يخلو عن بعد وظاهر الحديث كما يفهم من صدره ان الكلام مفروض في أول صلاة صلاها بالتيمم ولفظة ثم في قوله ثم يبنى يناسب ما ذكرنا وما ذكره المصنف من حمل الركعة على الصلاة تكلف مستغنى عنه لا حاجة إليه قال بعض الأصحاب قوله العلامة ان الأحاديث لا يدل على التفصيل ليس بجيد لأنها بتقدير دلالتها على أصل الحكم لا يخلو عن ظهور في الاختصاص بحالة عدم التعمد وقال في الذكرى لفظ الرواية يبنى على ما بقى وليس فيها ما مضى فضعف التأويل قال بعض الأصحاب قول الشهيد عجيب فان الرواية مذكورة في التهذيب مرتين وفى كتاب من لا يحضره الفقيه وكلها متفقة مع تعدد النسخ على لفظ ما مضى وحكاها كذلك أيضا الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر حتى أن الشهيد رحمه الله نقلها في مسألة من وجد الماء في أثناء الصلاة في حمله كلام الشيخ في الخلاف بهذه الصورة وفى عبارات القدماء شهادة بهذا أيضا لوقوفهم في التأدية مع ألفاظ النصوص غالبا فمما رايته كذلك عبارة المفيد في المقنعة المحكية في التهذيب وغيره وعبارة ابن أبي عقيل وهو حسن ثم قال مع أن الفرق بين اللفظين هنا والتفاوت بين مفاديهما قليل عند التأمل فان الجمع بين كلمة بيني وبين لفظ ما بقى باقيين على ظاهرهما غير متصور وليس التجوز في يبنى حرصا على نفى الاحتمال بأولي من حمل ما بقى على إرادة ما سلم من الحدث المبطل وقوفا مع المعهود واقتصارا في اثبات الأحكام الشرعية على ما يتضح إليه سبيل وينتفى فيه الاحتمال القادح في دلالة الدليل انتهى والحق ان ظاهر الروايات يوافق مذهب الشيخين فالقول به غير بعيد ويستباح به كل ما يستباح بالطهارة المائية من الصلاة والطواف ودخول المساجد وغيرها وصرح بهذا التعميم المصنف في المنتهى من غير خلاف الا من الأوزاعي ويدل عليه عموم الاخبار كقوله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين وقول الصادق عليه السلام في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء وفى صحيحة محمد بن مسلم فيمن صلى بتيمم لا يعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين في صحيحة زرارة التيمم أحد الطهورين وفى صحيحة جميل يتيمم ويصلى بهم فان الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا لكن هذه الروايات يدل على أنه يستباح بالتيمم ما يستباح بالطهارة المائية من حيث توقفه على الطهور المطلق إما ما يتوقف على النوع الخاص منه كالصوم مثلا فالظاهر عدم انتهاض الروايات المذكورة بالدلالة عليه الا خبر حماد فان له بظاهره دلالة عليه وقوله عليه السلام يكفيك الصعيد عشر سنين لا يخلو عن تأييد ما للمدعى وخالف في الحكم المذكور فخر المدققين فإنه زعم أن المتيمم لا يجوز له الدخول في المساجد محتجا بقوله تعالى ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا حيث جعل غاية التحريم الغسل فلا يزول بالتيمم والحق به مس كتابة القران لعدم فرق الأمة بينهما هنا ويلزم تحريم الطواف للجنب أيضا بالتيمم لاستلزامه دخول المسجد وان لم يصرح به وأجيب عنه بالمنع من دلالة الآية على ما ذكره لان إرادة المساجد من الصلاة مجاز لا يصار إليه الا مع القرينة مع احتمالها لغير ذلك المعنى احتمالا ظاهرا وهو ان يكون متعلق النهى الصلاة في أحوال الجنابة الا في حال السفر لجواز تأديتها حينئذ بالتيمم وفيه نظر لما ذكرنا في أوائل مباحث الغسل من الترجيح لذلك المعنى في تفسير الآية وبينا وجود القرينة على ذلك مع أن بعض الأخبار الصحيحة يدل عليه كما
(١٠٩)