سبحانه ان قيام مثل الاحتمال لا يخرجه عن وصف الطيب الذي هو مناط الحل واحتمل فيها وجه اخر وهو ان يكون الحكم بحل طعام كل من فريقي المسلمين وأهل الكتاب للآية كناية عن عدم إرادة قطع الوصلة بين الفريقين رأسا كما تشعر به المباينة الدينية وكون منساق جملة من الآيات المتقدمة لبيان ما حرم على المسلمين والكفار يستحلونه وقوله سبحانه في جملة من الآيات اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ثم قوله ويسئلونك ماذا أحل لهم فغير مستبعد بعد هذا كله ان يقع في الوهم انقطاع الوصلة بين المسلمين والكفار بكل وجه فذكر سبحانه ما يزيل الوهم وسوغ للمسلمين اعطاء أهل الكتاب طعامهم بالبيع ونحوه وأباح لهم اخذ أهل الكتاب كذلك وجعله دليلا على عدم التكليف بالتقاطع في أمثال ذلك ولابد من ارتكاب نحو هذا التقريب في ذكر حل طعام المسلمين لأهل الكتاب فيقرب اعتباره في الطرف الآخر واما ثانيا فلانه لو سلم ان المراد بالآية العموم لكن الظاهر منها ان طعامهم من حيث إنه طعامهم حل لكم وذلك لا ينافي نجاسة بسبب أمر عرضي هو ملاقاتهم له بالرطوبة وفيه تأمل ويرد على التعلق بالاخبار انه يجوز حملها على التقية جمعا بينها وبين ما يعارضها من الأخبار السابقة الموافقة لعمل أكثر الأصحاب المخالفة لجمهور العامة وربما كان في بعض الأخبار السابقة اشعار بذلك والتحقيق انه لولا الشهرة العظيمة بين العلماء وادعاء جماعة منهم الاجماع على نجاسة أهل الكتاب كان القول بطهارتهم متجها لصراحة الأخبار الدالة على الطهارة على كثرتها في المطلوب وبعد حمل الكل على التقية وقرب التأويل في اخبار النجاسة بحملها على الاستحباب والكراهة فإنه حمل قريب خصوصا إذا تأيد ببعض القرائن كما مر على أن شيئا منها غير دال على النجاسة وان حمل على الايجاب والتحريم الا ان يثبت عدم القائل بالفصل فتدبر جدا وعليك بالاحتياط واعلم أن الطريق إلى اثبات نجاسة الخوارج والغلاة انهم كفار لامكان الخوارج ما هو من ضروريات الدين واعتقاد الغلاة الوهمية غير الله سبحانه وإذا ثبت كفرهم ثبت نجاستهم للاجماع المنقول سابقا فان التعويل في نجاستهم مبنى على ثبوت الاجماع ويلحق بهم النواصب وهم الذين ينصبون العداوة لأهل البيت عليهم السلام ويدل عليه ما رواه الشيخ عن الوشا عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام انه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكل ما خالف الاسلام وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب وفي رواية حمزة بن أحمد عن أبي الحسن عليه السلام ورواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام السابقتين في مبحث غسالة الحمام تأييد ما للمطلوب وكذا في الأخبار الدالة على تحريم ذبائحهم. * وينبغي التنبيه على أمور الأول حكم الشيخ في المبسوط بنجاسة المجسمة والمجبرة ولم يرتض ذلك المحقق واحتج للطهارة بفقد الدليل على النجاسة ولظاهر بعض الأخبار ووافق في المجسمة جماعة من الأصحاب واختلف كلام المصنف في نجاستهم فاستقرب في المنتهى نجاسة المجسمة والمشبهة واختاره في القواعد واستقرب في التذكرة والنهاية طهارتهم واختلف كلام الشهيد أيضا في كتبه واحتج المصنف في المنتهى على نجاستهم بأنهم يعتقدون انه تعالى جسم وكل جسم محدث ويرد عليه ان الظاهر المقتضى للكفر القول بالحدوث ولا مجرد التجسم فلعلهم زعموا برأيهم الفاسد عدم المنافاة بين الجسمية والقدم الذاتي ولا يلزم من القول بالملزوم القول باللازم ومن الأصحاب من فرق بين المجسمة في الحقيقة وهم الذين يزعمون أن الله جسم كالأجسام والمجسمة بالتسمية وهم الذين يقولون إن الله تعالى جسم كالأجسام فجزم بنجاسة الأول وتردد في الثاني واعترضه بعضهم بان الدليل الدال على الأول دال على الثاني واما المجبرة فذهب إلى نجاستهم الشيخ وحكم المتأخرون بضعفه قال في المنتهى يمكن ان يكون مأخذ الشيخ في حكمه بنجاسة سؤر المجسمة والمجبرة قوله تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ثم استضعف تنجيس سؤر المجبرة وأنت خبير بضعف دلالة الآية على ما ذكر ويمكن ان يكون نظر الشيخ إلى استدلال المعتزلة على كفر المجبرة بقوله تعالى سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم ذاقوا بأسنا قال صاحب الكشاف اخبار بما سوف يقولونه وبما قالوه وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ يعنون بكفرهم وتمردهم ان شركهم وشرك ابائهم وتحريم ما أحل الله بمشية الله وارادته ولولا مشيته لم يكن شئ من ذلك كمذهب المجبرة بعينه كذلك كذب الذين من قبلهم اي جاؤوا بالكذب المطلق لان الله عز وجل ركب في العقول وانزل في الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشية القبائح وارادتها والرسل أخبروا بذلك فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشية الله وارادته فمن كذب التكذيب كله وهو تكذيب الله وكتبه ورسله ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره انتهى كلامه ولقائل أن يقول يجوز ان يكون قوله تعالى كذلك كذب الذين من قبلهم إشارة إلى قوله سابقا على هذه الآية فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة اي مثل هذا التكذيب لك في أن الله تعالى منع من الشرك ولم يحرم ما حرموه كذب الذين من قبلهم ويكون مرادهم لو شاء الله ما أشركنا انهم على الحق المرضى عند الله لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله تعالى إياها وإذ قد عرفت ان العمدة في اثبات نجاسة الكفار على أصنافها هو الاجماع وهو غير جار في محل النزاع كان القول بالنجاسة هيهنا عاريا عن الدليل ولا يبعد القول بالطهارة تمسكا بظاهر ما رواه ابن بابويه في كتابه حيث قال وسئل علي عليه السلام أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض محمر فقال لا بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فان أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة إذ هذه الرواية معتضدة بالأصل سالمة عن المعارض والظاهر أن المسلم شامل لمن أظهر الشهادتين الا ما اخرج بالدليل وينضاف إليه العمومات الدالة على طهارة المياه وطهوريتها الا ما اخرج بالدليل إذ يلزم منه طهارة سؤرهم ثم يلزم عموم الحكم إذ الظاهر عدم القائل بالفصل. الثاني: ذهب ابن إدريس إلى نجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف حكاه عنه جماعة من الأصحاب ولم يتعرضوا النقل حجته ويحكى عن المرتضى القول بنجاسة غير المؤمن لقوله تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ولقوله تعالى ان الدين عند الله الاسلام ومن يتبع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه والايمان يستحيل مغايرته للاسلام فمن ليس (بمؤمن ليس) بمسلم ويرد على الأول ما عرفت من منع كون المراد من الرجس النجس بالمعنى المعهود مع ابتنائه على إرادة المعنى العرفي من الايمان في الآية وهي في معرض المنع واما الاستدلال الثاني فمع ظهور ضعفه مندفع بقوله تعالى قالت الاعراب أمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا والأكثر على طهارتهم واحتج عليه المحقق بان النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يجتنب سؤر أحدهم وكان يشرب من الموضع الذي تشرب منه عائشة وبعده لم يجتنب علي عليه السلام سؤر أحد من الصحابة مع منابذتهم له ولا يقال ذلك تقية لأنه لا يصار إليها الا مع الدلالة ثم احتج بالرواية التي نقلناها عن الفقيه وبرواية عاصم بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يغتسل هو وعائشة في اناء واحد وبان النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة ولا يخفى انه يمكن النظر في بعض تلك الوجوه لكنها بمجموعها يوجب الظن القوي بالمطلوب مضافا إلى العمومات الدالة على طهارة الماء وطهوريته بالتقريب الذي ذكرناه في المسألة السابقة. الثالث: حكى عن ابن إدريس انه حكم بنجاسة ولد الزنا وعلله بأنه كافر وذكر في المختصر ان القول بكفره منقول عن السيد المرتضى وابن إدريس ثم قال وباقي علمائنا حكموا باسلامه وهو الحق وربما نسب إلى الصدوق القول بنجاسة سؤره لكن كلامه ليس بصريح فيه فإنه قال لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك وكل من خالف الاسلام وعدم جواز الوضوء أعم من النجاسة الا ان ذكره مع المشرك ونحوه قرينة على إرادة النجاسة قال المحقق وربما يعلل المانع بأنه كافر ونحن نمنع ذلك ونطالبه بدليل دعواه ولو ادعى الاجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية فانا لا نعلم ما ادعاه انتهى وربما يستند إلى القائل بنجاسة الاحتجاج بمرسلة الوشا السابقة وضعفه ظاهر وله ان يستند بالروايتين المذكورتين في بحث غسالة الحمام ويندفع بضعف السند والدلالة ويدل على الطهارة الأصل وكونه محكوما بالاسلام ظاهرا وان سؤره طاهر لما أشرنا إليه من العمومات فيلزم العموم لعدم القائل بالفصل. الرابع: ظاهر كلام المصنف في التذكرة ان ولد الكافرين يتبعهما في النجاسة بغير خلاف حيث ذكر ذلك من غير إشارة إلى خلاف ولا استدلال عليه كما هو شانه في ايراده المسائل الاتفاقية ونقل ايراد المسألة كذلك جماعة من الأصحاب لكن المصنف في النهاية إشارة إلى نوع خلاف أو تردد فيه حيث قال الأقرب في أولاد الكفار التبعية لهم وإذ قد عرفت ان التعويل في اثبات نجاسة الكفار على الاجماع كان الحكم بالنجاسة متوقفا على صدق عنوان الكفر أو ثبوت الاجماع ههنا على الخصوص واثباته مشكل والاستدلال على النجاسة بأنه حيوان متفرع من حيوانين نجسين فيثبت له حكمهما كالكلب والخنزير ضعيف لان المقتضى للتبعية
(١٥٢)