لكن في ذلك احتياط فلا باس وفيه إشارة إلى ما قد يقال من أن رواتها لم يسندوها إلى الإمام عليه السلام فيجوز ان يكون قولهم قلنا له إشارة إلى بعض العلماء قال بعض الأصحاب ثم قال وهذا الاحتمال وإن كان مرجوحا الا انه غير ممتع وعندي ان هذا الاحتمال ساقط عن درجة الاعتبار فان القرائن الواضحة شاهدة بان مثل هؤلاء الاجلاء لا يسندون الا إلى الإمام عليه السلام والتعويل في المسألة على الخبرين الأولين أقرب لاعتضادهما بالشهرة والأصل مخالفة ظاهر الخبر الأخير للقول بعدم انفعال البئر بالملاقاة كما هو التحقيق بل ظاهره متروك عند القائلين بالانفعال أيضا باتفاقهم على ما حكاه المصنف في المنتهى واعلم أن المشهور ان البئر لا ينجس بالبالوعة وان تقاربتا الا ان يعلم وصول نجاستها إلى الماء بناء على القول بالانفعال أو بتغيره على ما اخترناه ويدل عليه مضافا إلى العمومات الدالة على طهارة الماء مطلقا أو ماء البئر رواية محمد بن القاسم عن أبي الحسن عليه السلام في البئر بينها وبين الكنيف خمسة وأقل وأكثر يتوضأ منها قال ليس يكره من قرب ولا بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء ورواية أبي بصير قال نزلنا في دار فيها بئر إلى جنبها بالوعة ليس بينهما الا نحو من ذراعين فامتنعوا من الوضوء منها فشق ذلك عليهم فدخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرناه فقال توضأوا منها فان لتلك البالوعة مجارى تصب في واد ينصب في البحر وحينئذ تعين التأويل في حسنة الفضلاء وقد قيل الظاهر من سوقها كونها مفروضة في محل يكثر ورود النجاسة عليه ويظن فيه النفوذ وما هذا شانه لا يبعد افضاؤه مع القرب إلى تغير الماء لا سيما إذا طال الزمان فلعل الحكم بالتنجيس حينئذ ناظر إلى شهادة القرائن بان يكون جريان البول في مثله يفضى إلى حصول التغير في أوصاف الماء أو تقول ان كثرة ورود النجاسة على المحل مع القرب يثمر ظن الوصول إلى الماء في الجملة بل ربما حصل معه العلم بقرينة الحال وهو موجب للاستقذار ولا ريب في مرجوحية الاستعمال معه قبل النزح فيكون الحكم بالتنجيس والنهى عن الاستعمال محمولين على غير الحقيقة وهو جائز لضرورة الجمع والحمل الأخير عندي أولي مسألة قال المحقق في المعتبر إذا تغير ماء البئر تغيرا يصلح ان يكون من البالوعة ففي نجاسة تردد لاحتمال ان يكون لا منها وان بعد والأحوط التطهير لان سبب النجاسة قد وجد فلا يحال على غيره لكن هذا ظاهر لا قاطع والطهارة في الأصل مثبته فلا تزال بالظن وجزم المصنف في المنتهى ببقائه على الطهارة وقواه الشهيد في الذكرى وهو حسن واسناد؟؟ الحيوان كلها طاهرة عدا الكلب والخنزير والكافر والناصب والسؤر ما يبقى بعد الشرب كما فسره به أهل اللغة والمحقق في المعتبر ولعل المبحوث عنه هنا ماء قليل باشره فم الحيوان وفسره الشهيد ومن تأخر عنه بماء قليل باشره جسم حيوان وقال ابن إدريس في السرائر السؤر عبارة عما شرب منه الحيوان لو باشره بجسمه من المياه وسائر المائعات والسور تابع للحيوان في النجاسة وقد وقع الخلاف في مواضع باعتبار الخلاف في النجاسة الأول سور اليهود والنصارى فحكى المحقق عن المفيد قولين أحدهما النجاسة ذكره في أكثر كتبه والاخر الكراهة ذكره في الرسالة الغرية وهو المنقول عن ظاهر ابن الجنيد الثاني سؤر المجسمة والمجبرة فذهب الشيخ في بعض كتبه إلى نجاسة وخالفه في المجسمة بعض الأصحاب ووافقه بعض وخالفه الأكثر في المجبرة الثالث سؤر من لم يعتقد الحق غير المستضعف فقال ابن إدريس بنجاسته ونقل بعض الأصحاب عن المرتضى القول بنجاسة غير المؤمن وهو يقتضى نجاسة سؤره والباقون على خلاف ذلك الرابع سوء ولد الزنا فالمحكى عن المرتضى القول بنجاسة لأنه كافر وينسب القول بكفره إلى ابن إدريس أيضا وربما نسب إلى الصدوق أيضا القول بنجاسة سؤره لكن كلامه ليس بصريح فيه الخامس سؤر ما عد الخنزير من أنواع المسوخ فذهب الشيخ إلى نجاستها فينجس سؤرها وهو المحكي عن ابن الجنيد وابن حمزة والأكثر على خلافه وحوالة تحقيق هذه المسائل إلى مباحث النجاسات أولي ثم في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة خلاف فذهب أكثر الأصحاب كالفاضلين والشهيدين وجمهور المتأخرين إلى طهارة سؤر كل حيوان طاهر وهو المحكي عن المرتضى في المصباح والشيخ في الخلاف واختاره في النهاية لكنه استثنى فيها سؤر ما اكل الجيف من الطير وعن المرتضى وابن الجنيد استثناء الجلال وظاهر الشيخ في التهذيب المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه وكذا في الاستبصار لكن استثنى فيه سور الفارة ونحو الباري والصقر من الطيور وذهب الشيخ في المبسوط إلى أن سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الذي في الحضر غير الطير لا يجوز استعماله الا ما لا يمكن التحرز منه كالهرة والفأرة والحية وغير ذلك والأقرب مختار الأكثر للعمومات الدالة على طهارة المياه الا ما خرج بالدليل وللاخبار الكثيرة الواردة بطهارة كثير مما وقع النزاع فيه كصحيحة الفضل أبى العباس قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم اترك شيئا الا سألته عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت إلى الكلب فقال رجس نجس لا توضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء وعن السنور قال لا باس ان يتوضأ من فضلها انما هي من السباع ورواية معوية بن شريح قال سئل عذافر أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والباع تشرب منه أو تتوضأ منه فقال نعم اشرب منه وتوضأ قال قلت له الكلب قال لا قلت أليس هو سبع قال لا وانه نجس ورواية معوية بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر مثله وصحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال في كتاب علي عليه السلام ان الهر سبع ولا باس بسؤره وانى لاستحيى من الله ان ادع طعاما لان الهرة اكل منه ورواية أبى الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان علي عليه السلام يقول لا تدع فضل السنور ان تتوضأ منه انما هي سبع وصحيحة معوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الهرة انها من أهل البيت وتتوضأ من سؤرها وصحيحة أبى مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال في كتاب علي عليه السلام لا امتنع من طعام طعم منه السنور ولا من شراب شرب منه السنور وصحيحة جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سور الدواب والغنم والبقر أيتوضأ منه ويشرب قال لا باس وموثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عما يشرب منه بازا وصقر أو عقاب فقال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب ورواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ان أبا جعفر كان يقول لا باس بسؤر والفأرة إذا شربت من الاناء ان يشرب منه ويتوضأ منه وبهاتين الروايتين احتج الشيخ في الاستبصار للاستثناء الذي حكيناه واحتج للمنع من سؤر غير المأكول بما رواه عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عما يشرب منه الحمام فقال كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب وجوابه ان دلالة مفهوم معارض بما هو أقوى منه فتكون متروكة وأجاب عنه في المختصر بوجه آخر ملخصه انا لو سلمنا كون المفهوم حجة يكفي في دلالته مخالفة المسكوت عنه للمنطوق في الحكم الثابت للمنطوق والحكم الثابت للمنطوق الوضوء بسور ما لا يؤكل لحمه ومخالفة المسكوت عنه للمنطوق لا يقتضى ان يكون كل ما يؤكل لحمه على خلاف ذلك بل يجوز انقسامه إلى ما يجوز الوضوء منه وما لا يجوز كالكلب والخنزير فان الانقسام حكم مخالف لاحد القسمين والصواب ان يجعل هذا الايراد قدحا في اعتبار المفهوم ههنا بان يقال يجوز ان يكون التخصيص بالوصف المذكور بناء على عدم ثبوت الحكم بدونه كلية إذ لا يصلح هذا ايرادا بعد تسليم دلالة المفهوم لأن الظاهر أن من اعتبر المفهوم اعتبر نفى الحكم عن جميع افراد المورد التي قيد بالوصف عند انتفاء الوصف فتدبر ثم لا يخفى ان مقتضى الاخبار المتضمنة لنفى الباس عن سؤر الهرة وغيرها من السباع طهارتها بمجرد زوال العين لأنها لا تكاد تنفك عن النجاسات خصوصا الهرة فان العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الأوقات وقد نفى منها الباس عن سورها مطلقا ولولا ما ذكرناه للزم صرف اللفظ إلى افراد النادرة بل تأخير البيان عن وقت الجاجة وبالجملة الظاهر أن زوال العين كاف في طهارة الحيوان سواء غابت أم لا وبه صرح المحقق في المعتبر والمصنف في المنتهى والتذكرة فإنهما قالا إن الهرة لو اكلت ميتا ثم شربت من الماء القليل لم ينجس بذلك سواء غابت أو لم تغب ومثله قال الشيخ في الخلاف وحكى عن بعض العامة أنه قال إن شربت قبل ان تغيب عن العين لا يجوز الوضوء به ثم استدل باجماع الفرقة على طهارة سور الهر وعدم فصلهم وقال المصنف في النهاية لو تنجس فم الهرة بسبب كأكل فأرة وشبهه ثم ولغت في ماء قليل ونحن نتيقن نجاسة فمها فالأقوى النجاسة لأنه ماء قليل لاقي نجاسة والاحتراز تعسر عن مطلق الولوغ الا عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم ولو غابت عن العين واحتمل ولوغها في ماء كثير أو جار لم ينجس لان الاناء المعلوم الطهارة فلا يحكم بنجاسة بالشك ويظهر منه الميل إلى عدم الاكتفاء بزوال العين بل يحتاج إلى التطهير الشرعي وعلى ذلك التقدير فالاكتفاء بمجرد الاحتمال بناء على أصل الاستصحاب كما هو مذهب المصنف لا يخلو عن اشكال نعم ان لم نقل بالاستصحاب كان القول بالطهارة متجها لعموم موثقة عمار السابقة مراد المعتضدة بالأصل السالم عن المعارض هذا حكم غير الآدمي واما الآدمي فقد قيل إنه يحكم بطهارته لعينيته زمانا يمكن فيه إزالة النجاسة بشرط علمه بالنجاسة وأهليته للإزالة بكونه مكفا عالما بوجوب الإزالة
(١٤١)