على تلك البئر ولعل مرادهم النوع المعتاد على مثل تلك البئر وهو غير بعيد وإن كان اثباته لا يخلو عن اشكال ولو اختلف المعتاد ولم يغلب البعض فالأصغر مجز والأكبر أولي وان غلب البعض فهو أولي ولو نزح باناء عظيم ما يخرجه الدلاء المقدرة فقد قطع المصنف في كثير من كتبه بالاجزاء واستقرب في المعتبر عدم الأجزاء لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه واختاره المصنف في المنتهى والشهيد في الدروس والبيان واليه ذهب الشهيد الثاني وهو حسن لان الامر بالتطهير وقع بنحو خاص فالتعدي منه إلى غيره يحتاج إلى دليل وليس في موت الانسان قال المحقق هذا مذهب علمائنا ممن أوجب النزح وفى المنتهى انه مذهب القائلين بالتنجيس أجمع ونقل ابن زهرة اجماع الفرقة عليه والأصل فيه موثقة عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر فقال ينزح منها دلاء هذا إذا كان ذكيا فهو هكذا وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الانسان ينزح منها سبعون دلوا وأقله العصفور ينزح منها دلو واحد وما سوى ذلك فيما بين هذين قال المحقق لا يقال رجال هذا السند فطحية لأنا نقول هذا حق لكن هم الثقات مع سلامته عن المعارض ثم هذه الرواية معمول عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا وقبول الخبر بين الأصحاب مع عدم الراد له يخرجه إلى كونه حجة فلا يعتد اذن بمخالف فيه ولو عدل إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به إلى الشاذ الذي ليس بمشهور وهو باطل لخبر عمر بن حنظلة المتضمن لقوله عليه السلام خذ ما اجتمع عليه أصحابك واترك الشاذ الذي ليس بمشهور وكلامه هذا دال على وجوب العمل باخبار اشتهرت بين الأصحاب وعملا بمدلولها وإن كان في بعض رواتها قدح مع عدم معارض أقوى منه وغير بعيد لان العمدة في الاخبار في باب الاحتجاج ما اقترن به قرينة قوية موجبة لغلبة الظن بصحة مدلوله وعمل الطائفة وتلقيهم الخبر بالقبول من أقوى القرائن الدالة على ذلك كما أن تركه لهم وردهم إياه من القرائن الدالة على عدم صحته وانتسابه إلى المعصوم عليه السلام ولهذا كثيرا ما تترك الأخبار الصحيحة بناء على أن الأصحاب تركوا العمل بمدلولها لان هذا مما يضعف الظن بحصة مدلوله ومن نظر بعين التأمل والاستبصار وانعم الفكر البالغ المستقصى في أدلة حجية اخبار الآحاد والشواهد والامارات المقتضية لها علم أن من رد مثل هذه الأخبار ثم سلك مسلك العمل باخبار الآحاد لكان متحكما صرفا مفرقا بين المدلولات مع اجتماعها واشتراكها في الدلائل ولو شئت لبنيت حقيقة هذه الدعوى وكشف قناع الخفاء عنها لكنه يقتضى كلاما طويلا لا يناسب وظيفة هذا الكتاب ان ذلك خروج عن الفن إلى غيره فاذن لا تعتمد على قول من يقول إن كان الاجماع واقعا على مضمون الخبر كان هو الحجة ولا حاجة إلى ما ذكر من الاعتبارات ونحن معاشر القائلين بعدم نجاسة البئر بالملاقاة لا نحتاج إلى زيادة تجشم في تصحيح هذا الخبر إذ هو على ما به يكفي مستندا للحكم الاستحبابي واعلم أن الأكثر ذهبوا إلى عدم الفرق في ذلك بين المسلم والكافر نظرا إلى عموم اللفظ وفرق ابن إدريس بينهما فأوجب للكافر نزح الجميع ونسب ذلك إلى الشيخ أبى على أيضا وذكر ابن إدريس كلاما طويلا مضطربا حاصله إلى أن الكافر إذا باشر بجسمه الماء ثم خرج وهو حي وجب نزح الجميع لاجماع الطائفة عليه فإذا دخل الماء وهو حي ثم مات فيه فكذلك لان الموت لا يطهر النجس بل ينجس الطاهر ثم اورد على نفسه انه قد ورد انه ينزح إذا مات انسان في البئر سبعون دلوا وهو عام في المؤمن والكافر وقد اورد الشيخ ذلك وكذا المفيد وابن بابويه فأجاب عنه بوجوه الأول ان النكرة لا تفيد الاستغراق انما المفيد له المعرف باللام وهذا الكلام ناظر إلى أنه نظر إلى كلامهم في الكتب لا إلى متن الرواية لان لفظ الانسان في الرواية معرف باللام قال وأيضا الرواية كما وردت بما ذكره السائل فقد وردت بخلاف ذلك وهو انه إذا ارتمس الجنب في البئر ينزح منها سبع دلاء والرواية عامة فمن قال بالعموم هنا في لفظ الانسان يلزمه القول بالعموم هناك فيه وهو بط؟ بالاتفاق ثم ذكر كلاما طويلا حاصله تسليم العموم وحكمه بصحته لكن يجب حمل العام على الخاص فيجب تخصيص هذا العام باخراج الكافر عنه بدليل الاجماع وكلامه ضعيف وأجاب عنه المحقق وملخصه منع الاجماع على وجوب نزح الجميع بملاقات الكافر بل أنكر القول به فكيف الاجماع الشيخ بذلك في المبسوط فليس على سبيل الجزم بل على سبيل الاحتياط مع أنه مبنى على توهمه انه من قبيل ما لا نص فيه فان تمسك في ايجابه نزح الجميع بأنه لا دليل على مقدر فحينئذ نقول الدليل موجود لتناول لفظ الانسان للكافر والمسلم فإذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر لان الموت يتضمن المباشرة فيعلم نفى ما زاد عن مفهوم النص وأجاب عن المعارضة بالجنب بوجوه أحدها ان الارتماس من الجنابة للطهارة فيكون ذلك قرينة دالة على من له عناية بالطهارة وهو المسلم الثاني ان نقول إما ان يكون هنا دليل دال على تخصيص حكم الجنب بالمسلم أم لا وعلى الأول فالحكم بالتخصيص لذلك الدليل والا قلنا بالعموم هناك أيضا فانا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا والاستبصار ليس حجة الثالث ان مقتضى الدليل العمل بالعموم في الموضعين وامتناعنا من استعمال أحد العمومين في العموم لا يلزم منه اطراح العموم الأخر لأنا نتوهم ان لاحد العمومين مخصصا والتوقف عنه انما هو لهذا لوهم فان صح والا به قلنا مطلقا فالالزام غير وارد ثم ليس هذا نقضا على مسئلتنا بل نقض على استعمال اللام في الاستغراق إن كان فيلزم ان لا ينزل قوله الزانية والزاني فاجلدوا على العموم لأنا لم نزل الجنب هنا على العموم هذا ملخص كلامه وحكم بعض المتأخرين بضعفه بنا على أن الحيثية معتبرة في جميع موجبات النزح فمعنى وجوب نزح السبعين لموت الانسان ان نجاسة موته يقتضى ذلك فالعموم الواقع فيه انما يدل على تساوى المسلم والكافر في الاكتفاء لنجاسة موتهما بنزح السبعين فإذا انضم إلى ذلك جهة أخرى للنجاسة كالكف ونحوه لم يكن للفظ دلالة على الاكتفاء به الا ترى انه لو كان بدون المسلم متنجسا بشئ من النجاسات وكان العين غير موجودة لم يكف نزح المقدر عن الامرين ولو تم ما ذكروه لاقتضى الاكتفاء وهم لا يقولون به وبالجملة الكفر أمر عرضي للانسان كملاقاة النجاسة ولكل منهما تأثير في بدنه بالتنجيس فكان العموم غير متناول النجاسة الملاقاة لا يتناول نجاسة الكفر ثم بنى على هذا الأصل تصحيح المعارضة ودفع ايرادات المحقق بأسرها ثم ذكر ان ملاحظة الحيثية يرشدك إلى رد كلام المحقق في هذا المقام من أصله لابتنائه على اغفالها وذكر ان قول المحقق ان الارتماس من الجنابة انما يراد للطهارة ضعيف لخلو أكثر الأخبار الواردة في الجنب عن ذكر الاغتسال وانما ذكر فيها النزول والوقوع وفيه نظر لان الانسان المعرف باللام في الخبر مفيد للعموم بانضمام القرائن فيرجع محصل الكلام إلى قولنا كل انسان سواء كان مسلما أو كافرا ان وقع في البئر فمات فيه وجب نزح السبعين ويؤيده صحة الاستثناء فحينئذ ان اعتبرنا المفهوم كان المستفاد منه ثبوت نزح السبعين من غير زيادة لوقوع الكافر وموته أيضا والا لم يكن نفى الزيادة على السبعين معلوما لكن كان نزح السبعين مخصوصا عليه فلم يكن من قبيل ما لا نص فيه غاية ما يمكن ان يقال إن تعليق الشئ بالوصف المناسب يشعر بعلية المبدأ وهذا يقتضى ان يكون العلة في وجوب نزح السبعين وثبوته لكل فرد من افراد الموضوع الوقوع في البئر والموت فيه لان الواجب نزح السبعين بسبب الموت حتى لا ينافي شئ اخر بسبب الكفر ومن أين يستفاد هذا الدلالة نعم لو كان الكفر من الأمور العرضية الخارجية عن اشخاص الانسان بحسب العرف والعادة كتنجس بدن الانسان كان إلى ما ذكره طريق لكنه ليس الامر كذلك ولا ينفع كون الكفر خارجا عن قوام الشخص بحسب العادة لان العبرة في أمثال هذه المواضع بالعادة وبالجملة إذا وقع كافر في البئر فمات لم يكن هناك الا وقوع فرد معين من الانسان وصوته فيه فيجب السبعين حسب وأما إذا كان بدنه متنجسا أو كان للنجاسة عين أو لم يكن كان هنا أمر اخر اجبني بالنسبة إلى وقوع فرد من الانسان في البئر وصوته فيه لان التنجس بنجاسة خارجة مما لا دخل له في خصوصيات الافراد المتعارفة الانسانية بحسب العرف والعادة فمن المحتمل ايجاب نزح اخر لذلك الامر العرضي بخلاف الكفر فإنه خصوصية لصنف متعارف من افراد الانسان ومن هنا يعلم الفرق بين ما نحن فيه وبين النظير الذي ذكره بعد تسليم عدم تداخل النزح على أن التخصيص باخراج الافراد النادرة ليس كالتخصيص باخراج الافراد الشائعة فتدبر جدا فإنك ان تأملت ما ذكرنا عرفت صحة ايرادات المحقق واندفاع أكثر الاعتراضات عنه وان
(١٣١)