الجاهلية من أنعم الناس عيشا وألينهم لباسا فلما أسلم زهد في الدنيا (فلما رآه) أي أبصر مصعبا بتلك الحال الصعباء (بكى للذي) أي للأمر الذي (كان فيه) أي قبل ذلك اليوم (والذي هو فيه) أي ول مر الذي هو فيه من المحنة والمشقة (اليوم) أي في الوقت الحاضر (كيف) أي الحال (بكم إذ غدا أحدكم) أي ذهب أول النهار (في حلة) بضم فتشديد أي في ثوب أو في إزار ورادء (وراح) أي ذهب آخر النهار (في حلة) أي أخرى من الأولى قال ابن الملك أي كيف يكون حالكم إذا كثرت أموالكم بحيث يلبس كل منكم أول النهار حلة وآخره أخرى من غاية التنعم (ورضعت بين يديه صحفة) أي قصعة من مطعوم (ورفعت أخرى) أي من نوع آخر كما هو شأن المترفين وهو كناية عن كثرة أصناف الأطعمة الموضوعة على الأطباق بين يدي المتنعمين (وسترتم بيوتكم) بضم الموحدة وكسرها أي جدرانها والمعنى زينتموها بالثياب النفيسة من فرظ التنعم (كما تستر الكعبة) فيه إشارة إلى أن سترها من خصوصياتها لامتيازها (نحن يومئذ خير منا اليوم) وبينوا سبب الخيرية بقولهم مستأنفا فيه معنى التعليل (نتفرغ) أي عن الملائق والعوائق (للعبادة) أي بأنفسنا (ونكفي) بصيغة المجهول المتكلم (المؤنة) أي بخدمنا والواو لمطلق الجمع فالمعنى ندفع عنا تحصيل القوت لحصوله بأسباب مهيأة لنا فتتفرغ للعبادة من تحصيل العلوم الشرعية والعمل بالخيرات البدنية والمبرات المالية (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) أي ليس الأمر كما ظننتم (أقم اليوم خير منكم يومئذ) لأن الفقير الذي له كفاف خير من الغني لأن الغني يشتغل بدنياه ولا يتفرغ للعبادة مثل من له كفاف لكثرة اشتغاله بتحصيل المال قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو يعلى من قصة علي المذكورة من طريق محمد بن كعب القرظي وذكر المنذري في الترغيب لفظه بتمامه قوله (ويزيد بن زاد هذا هو مدني الخ) المقصود من هذا الكلام بيان الفرق بين
(١٤٩)