قوله: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج) فيه جواز أكل الدجاج إنسية ووحشية وهو بالانفاق إلا عن بعض المتعمقين على سبيل الورع إلا أن بعضهم استثنى الجلالة وهي ما تأكل الأقذار وظاهر صنيع أبي موسى أنه لم يبال بذلك وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثا وقال مالك والليث لا بأس الجلالة من الدجاج وغيره وإنما جاء النهي عنها للتقذر وقد ورد النهي عن أكل الجلالة من طرق أصحها ما أخرجه الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثمة وعن لبن الجلالة وعن الشرب من في السقاه وهو على شرط البخاري في رجاله إلا أن أيوب رواه عن عكرمة فقال عن أبي هريرة أخرجه البيهقي والبزار من وجه اخر عن أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وعن شرب ألبانها وأكلها وركوبها ولابن أبي شيبة بسند حسن عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يؤكل لحمها أو يشرب لبنها ولأبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحمها وسنده حسن وقد أطلق الشافعية كراهة أكل الجلالة إذا تغير لحمها بأكل النجاسة وفي وجه إذا أكثرت من ذلك ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه وهو قضية صنيع أبي موسى ومن حجتهم أن العلف الطاهر إذا صار في كرشها تنجس فلا تتغذى إلا بالنجاسة ومع ذلك فلا يحكم على اللحم واللبن بالنجاسة فكذلك هذا وتعقب بأن العلف الطاهر إذا تنجس بالمجاورة جاز إطعامه الدابة لأنها إذا أكلته لا تتغذى بالنجاسة وإنما تتغذى بالعلف بخلاف الجلالة وذهب جماعة من الشافعية وهو قول الحنابلة إلى أن النهي للتحريم وبه جزم ابن دقيق العيد عن الفقهاء وهو الذي صححه أبو إسحاق المروزي والقفال وإمام الحرمين والبغوي والغزالي وألحقوا بلحمها ولبنها بيضها وفي معنى الجلالة ما يتغذى بالنجس كالشاة ترضع من كلبة والمعتبر في جواز أكل الجلالة زوال رائحة النجاسة بعد أن تعلف بالشئ الطاهر على الصحيح وجاء عن السلف فيه توقيت فعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثا كما تقدم وأخرج البيهقي بسند فيه نظر عن عبد الله بن عمر ومرفوعا أنها لا تؤكل حتى تعلف أربعين يوما قاله الحافظ في الفتح إعلم أن الترمذي أورد هذا الحديث مختصرا مقتصرا على القدر المذكور وساقه في الشمائل مطولا إلى هذا أشار بقوله: (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) وقد أخرجه البخاري مطولا في باب لحم الدجاج وغيره ومسلم في الايمان
(٤٥٠)