محالة فأعلمهم بقوله هذا أن ليس الأمر على ما يتوهمون بل هو متعلق بالمشيئة إن شاء كان وإن لم يشأ لم يكن ويشير إلى هذا المعنى قوله فمن أعدى الأول أي إن كنتم ترون أن السبب في ذلك العدوي لا غير فمن أعدى الأول وبين بقوله فر من المجذوم وبقوله لا يوردن ذو عاهة على مصح أن مداناة ذلك بسبب العلة فليتقه اتقاء من الجدار المائل والسفينة المعيوبة وقد رد الفرقة الأولى على الثانية في استدلالهم بالحديثين أن النهي إنما جاء شفقا على مباشرة أحد الأمرين فتصيبه علة في نفسه أو عاهة في إبله فيعتقد أن العدوي حق قلت: وقد اختاره العسقلاني يعني الحافظ ابن حجر في شرح النخبة وبسطنا الكلام معه في شرح الشرح ومجمله أنه يرد عليه اجتنابه عليه السلام عن المجذوم عندما أراد المبايعة مع أن منصب النبوة بعيد من أن يورد لحسم مادة ظن العدوي كلاما يكون مادة لظنها أيضا فإن الأمر بالتجنب أظهر من فتح مادة ظن أن العدوي لها تأثير بالطبع وعلى كل تقدير فلا دلالة أصلا على نفي العدوي مبينا والله أعلم قال الشيخ التوربشتي وأرى الثاني أولى التأويلين لما فيه من التوفيق بين الأحاديث الواردة فيه ثم لأن القول الأول يفضي إلى تعطيل الأصول الطية ولم يرد الشرع بتعطيلها بل ورد بإثباتها والعبرة بها على الوجه الذي ذكرناه وأما استدلالهم بالقرائن المنسوقة عليها فإنا قد وجدنا الشارع يجمع في النهي بين ما هو حرام وبين ما هو مكروه وبين ما ينهى عنه لمعنى وبين ما ينهى عنه لمعان كثيرة ويدل على صحة ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم المبايع قد بايعناك فارجع في حديث الشريد بن سويد الثقفي وقوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم الذي أخذ بيده فوضعها معه في القصعة كل ثقة بالله وتوكلا عليه ولا سبيل إلى التوفيق بين هذين الحديثين إلا من هذا الوجه بين بالأول التوقي من أسباب التلف وبالثاني التوكل على الله جل جلاله ولا إله غيره في متاركة الأسباب وهو حاله انتهى قال القاري وهو جمع حسن في غاية التحقيق انتهى قلت: في كون هذا الجمع حسنا نظر كما لا يخفي على المتأمل وأما القول بأن الشرع ورد بإثبات الأصول الطبية ففيه أن ورود الشرع ثبات جميع الأصول الطبية ممنوع بل قد ورد الشرع لإبطال بعضها فإن المتطببين قائلون بحصول الشفاء بالحرام وقد ورد الشرع بنفي الشفاء بالحرام وهم قائلون بثبوت العدوي في بعض الأمراض وقد ورد الشرع بأنه لا عدوى فالظاهر الراجح عندي في التوفيق والجمع بين الأحاديث المذكورة هو ما ذكره الحافظ في شرح النخبة والله تعالى أعلم (ولا طيرة) نفى معناه النهي كقوله تعالى (لا ريب فيه) (وأحب الفأل) بصيغة المجهول المتكلم من
(١٩٩)