الأمر من التخيير (يعني أصحابك) أي يريد بالضمير أصحابك وهذا التفسير إما من علي أو ممن بعده من الرواة والمعنى قل لهم أنتم في أسارى بدر (القتل أو الفداء) بالنصب فيهما أي فاختاروا القتل أو الفداء والمعنى أنكم مخيرون بين أن تقتلوا أسارى ولا يلحقكم ضرر من العدو وبين أن تأخذوا منهم الفداء (على أن يقتل منهم) أي من الصحابة (قابل) كذا وقع في بعض النسخ وفي بعضها قبل بالتنوين وهو الظاهر (مثلهم) يعني بعدد من يطلقون منهم يكون الظفر للكفار فيها وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون (قالوا) أي الصحابة (الفداء) أي اخترنا الفداء (ويقتل منا) بالنصب بإضمار أن بعد الواو العاطفة على الفداء أي وأن يقتل منا في العام المقبل مثلهم قال القاري وفي نسخة يعني من المشكاة بالرفع فيهما أي اختيارنا فداءهم وقتل بعضنا بقتل من المسلمين يوم أحد مثل ما اقتدى المسلمون منهم يوم بدر وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون قال تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثلها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) وإنما اختاروا ذلك رغبة منهم في إسلام أسارى بدر وفي نيلهم درجة الشهادة في السنة القابلة وشفقة منهم على الأسارى بمكان قرابتهم منهم قال التوربشتي هذا الحديث مشكل جدا لمخالفته ما يدل على ظاهر التنزيل ولما صح من الأحاديث في أمر أسارى بدر أن أخذ الفداء كان رأيا رأوه فعوتبوا عليه ولو كان هناك تخيير بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليه وقد قال الله تعالى (ما كان لنبي أن تكون له أسرى) إلى قوله (لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) وأظهر لهم شأن العاقبة بقتل سبعين منهم بعد غزوة أحد عند نزول قوله تعالى (وأما لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها) وممن نقل عنه هذا التأويل من الصحابة علي رضي الله تعالى عنه فلعل عليا ذكر هبوط جبريل في شأن نزول هذه الآية وبيانها فاشتبه الأمر فيه على بعض الرواة ومما جرأنا على هذا التقرير سوى ما ذكرناه هو أن الحديث تفرد به يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان من بين أصحابه فلم يروه غيره والسمع قد يخطئ والنسيان كثيرا يطرأ على الانسان ثم إن الحديث يروى عنه متصلا وروى عن غيره مرسلا فكان ذلك مما يمنع القول لظاهره قال الطيبي أقول وبالله التوفيق لا منافاة بين الحديث والآية وذلك أن التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختيار والامتحان ولله أن يمتحن عباده بما شاء امتحن الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) الآيتين وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالى (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة) وامتحن الناس بالملكين وجعل المحنة في الكفر والإيمان بأن يقبل العامل تعلم السحر فيكفر ويؤمن بترك تعلمه ولعل الله تعالى امتحن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين
(١٥٥)