الخطابي معنى نهيه عن النذر إنما هو التأكد لأمره وتحذير التهاون به بعد إيجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به إذ صار معصية وإنما وجه الحديث أنه أعلمهم أن ذلك أمر لا يجلب لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يرد شيئا قضاه الله تعالى فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدر الله لكم أو تصرفون عن أنفسكم شيئا جرى القضاء به عليكم وإذا فعلتم ذلك فأخرجه عنه بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم قال الطيبي: تحريره أنه علل النهي بقوله فإن النذر لا يغني من القدر ونبه به على أن النذر المنهي عنه هو النذر المقيد الذي يعتقد أنه يغني عن القدر بنفسه كما زعموا وكم نرى في عهدنا جماعة يعتقدون ذلك لما شاهدوا من غالب الأحوال حصول المطالب بالنذر وأما إذا نذر واعتقد أن الله تعالى هو الذي يسهل الأمور وهو الضار والنافع والنذور كالذرائع والوسائل فيكون الوفاء بالنذر طاعة ولا يكون منهيا عنه كيف وقد مدح الله تعالى جل شأنه الخيرة من عباده بقوله (يوفون بالنذر) و (إني نذرت لك ما في بطني محررا) وأما معنى وإنما يستخرج به من البخيل فإن الله تعالى يحب البذل والإنفاق فمن سمحت أريحته فذلك وإلا فشرع النذور ليستخرج به من مال البخيل انتهى قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الجماعة إلا الترمذي ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوا النذر) قال الخطابي هذا باب من العلم غريب وهو أن ينهى عن فعل شئ حتى إذا فعل كان واجبا وقد ذهب أكثر الشافعية ونقل عن نص الشافعي أن النذر مكروه وكذا عن المالكية وجزم الحنابلة بالكراهة وقال النووي إنه مستحب صرح بذلك في شرح المهذب وروى ذلك عن القاضي
(١١٧)