في كتاب الأموال من طريق ابن إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال له علي دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم ومن طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ ان قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبتدرون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي القوم يسدون من الاسلام مسدا فلا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأى عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجئ بعدهم فبقي ما عدا ذلك على اختصاص الغانمين به وبه قال الجمهور وذهب أبو حنيفة إلى أن الجيش إذا فصلوا من دار الاسلام مددا لجيش آخر فوافوهم بعد الفتح انهم يشتركون معهم في الغنيمة واحتج بما قسم صلى الله عليه وسلم للأشعريين لما قدموا مع جعفر من خيبر وبما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يحضر الوقعة كعثمان في بدر ونحو ذلك فاما قصة الأشعريين فسيأتي سياقها في غزوة خيبر والجواب عنها سيأتي بعد أبواب وأما الجواب عن مثل قصة عثمان فأجاب الجمهور عنها بأجوبة أحدها ان ذلك خاص به لا بمن كان مثله ثانيها ان ذلك حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول يسألونك عن الأنفال ثم نزلت بعد ذلك واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول فصارت أربعة أخماس الغنيمة للغانمين ثالثها على تقدير أن يكون ذلك بعد فرض الخمس فهو محمول على أنه أعطاء من الخمس والى ذلك جنح المصنف كما سيأتي رابعها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الامام فيسهم له بخلاف غيره وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد الوقعة الا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا يجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم ولذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين أول ما قدموا عليهم قال الطحاوي ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم استطاب أنفس أهل الغنيمة بما اعطى الأشعريين وغيرهم وهذا كله في الغنيمة المنقولة وقد تقدم في المزارعة بيان الاختلاف في الأرض التي يملكها المسلمون عنوة قال ابن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا ارض السواد وان الحكم في ارض العنوة ان تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا آخر المسلمين لكن يمكن ان يقال معناه لولا آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين واما قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها قاله الطحاوي وأشار إلى ما روي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين فلم يكن لهم عمال فدفعوها إلى اليهود ليعملوها على نصف ما يخرج منها الحديث والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وسيأتي بيان ذلك بادلته في المغازي إن شاء الله تعالى قال ابن المنير ترجم البخاري بان الغنيمة لمن شهد الوقعة وأخرج قول عمر المقتضي لوقف الأرض المغنومة وهذا ضد ما ترجم به ثم أجاب بان المطابق لترجمته قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فأومأ البخاري إلى ترجيح القسمة الناجزة والحجة فيه أن الآتي الذي لم يوجد بعد لا يستحق شيا من الغنيمة الحاضرة بدليل أن الذي يغيب عن الوقعة لا يستحق شيئا بطريق الأولى (قلت) ويحتمل أن يكون البخاري أراد التوفيق بين ما جاء عن عمر أن الغنيمة لمن شهد الوقعة وبين
(١٥٨)