قال دحلان والحلبي: تمسك بعضهم بظاهر الحديث (الذي نقل عن البخاري) وقال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كتب بيده يوم الحديبية معجزة له مع أنه لا يقرأ ولا يكتب، وجرى على ذلك أبو الوليد الباجي المالكي فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه وقالوا: إن هذا مخالف للقرآن، فناظرهم واستظهر عليهم بأن هذا لا ينافي القرآن وهو قوله تعالى: * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) * (1) لأن هذا النفي مقيد بما قبل ورود القرآن وقبل أن تحقق أمنيته، وأما بعد نزول القرآن فلا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم معجزة أخرى، والجمهور على أن الروايات التي ذكرت أنه (صلى الله عليه وآله) أخذ الكتاب بيده فكتب محمولة على المجاز أي: أمر أن يكتب الكاتب (2).
قال ابن خلدون: فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا أن يمحوها فأبى، وتناول هو الصحيفة بيده ومحى ذلك وكتب محمد بن عبد الله، ولا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب، فإنها قد ثبتت في الصحيح، وما يعترض في الوهم من أن كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل، لأن هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف ولا قوانين الخط وأشكالها بقيت الأمية على ما كانت عليه، وكانت هذه الكتابة الخاصة إحدى المعجزات (3).