مكاتيب الرسول - الأحمدي الميانجي - ج ١ - الصفحة ٨٦
قال دحلان والحلبي: تمسك بعضهم بظاهر الحديث (الذي نقل عن البخاري) وقال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كتب بيده يوم الحديبية معجزة له مع أنه لا يقرأ ولا يكتب، وجرى على ذلك أبو الوليد الباجي المالكي فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه وقالوا: إن هذا مخالف للقرآن، فناظرهم واستظهر عليهم بأن هذا لا ينافي القرآن وهو قوله تعالى: * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) * (1) لأن هذا النفي مقيد بما قبل ورود القرآن وقبل أن تحقق أمنيته، وأما بعد نزول القرآن فلا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم معجزة أخرى، والجمهور على أن الروايات التي ذكرت أنه (صلى الله عليه وآله) أخذ الكتاب بيده فكتب محمولة على المجاز أي: أمر أن يكتب الكاتب (2).
قال ابن خلدون: فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا أن يمحوها فأبى، وتناول هو الصحيفة بيده ومحى ذلك وكتب محمد بن عبد الله، ولا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب، فإنها قد ثبتت في الصحيح، وما يعترض في الوهم من أن كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل، لأن هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف ولا قوانين الخط وأشكالها بقيت الأمية على ما كانت عليه، وكانت هذه الكتابة الخاصة إحدى المعجزات (3).

(١) العنكبوت: ٤٨.
(٢) السيرة الحلبية ٣: ٢٤ وزيني دحلان هامش الحلبية 2: 214 والتراتيب الإدارية 1: 173 وراجع المفصل 8: 96 وما بعدها.
(3) تاريخ ابن خلدون: 786 ونقل القرطبي 13: 352 هذا عن السمناني أبي عمرو الفلسطيني وأبي زر عبد الله بن أحمد الهروي وأبي الوليد الباجي، وفي التراتيب 1: 173 عن جماعة من العلماء منهم أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء أفريقيا، وقد سبقهم إلى ذلك عمر بن شبة، وفي:
176: وقفت في المدينة المنورة على رسالة حافلة للعلامة المحقق الشمس محمد بن عبد الرسول البرزنجي الشافعي المدني في إثبات الكتابة والقراءة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)... الخ.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست