" أنظر إلى هذا الدعاء والكتاب الذي انطبق على لغتهم، وقد كان من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه أن يكلم كل ذي لغة بلغته على اختلاف لغة العرب، وتركيب ألفاظها، وأساليب كلمها، فلما كان كلام من تقدم، على هذا الحد، وبلاغتهم على هذا النمط، وأكثر استعمالهم لهذه الألفاظ، استعملها معهم، فاستعمالها مع من هي لغته لا يخل بالفصاحة، بل هو من أعلى طبقاتها وإن كان فيها ما هو غريب وحشي بالنسبة لغيرهم، حتى أن كلام البادية فصيح بالنسبة لهم، وكان أحدهم لا يتجاوز لغته، وإن سمع لغة غيره فكالعجمية يسمعها العربي، وما ذلك منه إلا بقوة إلهية، وموهبة ربانية، لأنه بعث إلى الكافة طرا، وإلى الناس سودا وحمرا، فعلمه الله جميع اللغات، قال تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * فلما بعثه الله للجميع علمه الجميع ليحدث الناس بما يعلمون، فكان ذلك من معجزاته، وقد خاطب بعض الحبشة بكلامهم، وبعض الفرس بكلامهم (1).
وقال له (صلى الله عليه وآله) بعض أصحابه يوما: يا رسول الله، ما أفصحك! وما رأينا الذي هو أفصح منك، فقال: وما يمنعني من ذلك وبلساني نزل القرآن بلسان عربي مبين.
وفي رواية: وما يمنعني وأنا أفصح العرب، وأنزل الله القرآن بلغتي (2).
هذا كله في كلامه مع المخاطبين على اختلاف لغاتهم، وأما كلامه المعتاد، وجوامع كلمه، فقد ألفت فيه الدواوين، وجمع فيها الكتب، راجع مروج الذهب والبحار، وغيرهما من كتب التاريخ والحديث.