الحقيقة غرضه كتابة أحاديث عائشة، وأمر أيضا بكتابة أحاديث القاسم بن محمد بن أبي بكر، فإنه كان يتلقى علمه عن عائشة، لأنها عمته وقد تربي في حجرها.
وبعد ذلك كله صرح بلزوم كتابة السنة الماضية، وليس المراد منها بعد الأمر بكتابة ما تقدم إلا سنن الخلفاء: أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية و... حتى زمن حكومة عمر بن عبد العزيز.
والذي يتراءى أن قيامه بهذا العمل الثقافي العظيم مع تصريحه بأن العلة هي خوف دروس العلم، وجده في ذلك حتى كتب إلى أبي بكر بن حزم وإلي المدينة، وإلى أمراء الأجناد، وإلى الآفاق، وأمر الزهري ابن شهاب بكتابه السنة وكتب هو بنفسه و... وإن كان في الظاهر عملا ناشئا عن النصيحة لله ولرسوله وسنته ودينه كما لا يخفى، ولكنه في الحقيقة احتفاظ لأهداف قريش وما صمموا وعزموا من محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والصد عن سبيل الله في إمحاء الدين بجميع شؤونه في أصوله وفروعه، ولا سيما في ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) - كما تقدم بما لا مزيد عليه، ورد نصوص الرسول (صلى الله عليه وآله) فيهم كحديث المنزلة وحديث السفينة وحديث الثقلين وحديث الغدير و... وذلك لأنه حفظ لما صنعه الخلفاء من جعل الأحكام وتغيير سنن الرسول (صلى الله عليه وآله) و....
ويؤيد ما ذكرنا أمره بكتابة أحاديث عمر وعمرة والسنة الماضية، وكتابة الأحاديث النبوية التي كانت في زمن عمر، ويؤيده أيضا أن الذي بدأ بهذا هو مروان اللعين ابن اللعين، حيث أمر أن تكتب أحاديث زيد وأبي هريرة، ثم ابنه عبد العزيز وإلي مصر. ويؤيد ذلك أن عمر بن عبد العزيز كان معاصرا لأبي الحسن علي بن الحسين وأبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، ولم يراجعها في ذلك، ولم يطلب منها وهما الإمامان المعصومان من العترة الطاهرة المفروض الرجوع إليهما، وراجع غيرهما من علماء مدرسة الخلفاء.