وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين. ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقى إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى أن الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم ويصيبوا بها الأموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يتسحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها، فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي (عليه السلام) فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو