بعضها بعضا، ويقول: إن زغت فقوموني وإن استقمت فاتبعوني (1). وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى من قال: سلوني قبل أن تفقدوني (2)، سلوني عن طرق السماء فوالله إني لأعلم لها منكم من طرق الأرض؟ وقال إن هاهنا لعلما جما، وضرب بيده على صدره، وقال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فقد ظهر أنه أعلم (3).
وأما الزهد فإنه سيد الزهاد، وبد الأبدال، وإليه تشد الرحال، وتنقص الأحلاس، وما شبع من طعام قط، وكان أخشن الناس لبسا ومأكلا.
قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت على علي - عليه السلام - يوم عيد فقدم جرابا مختوما فوجد فيه خبزا شعيرا يابسا مرضوضا فتقدم فأكل.
فقلت: يا أمير المؤمنين فكيف تختمه وأنما هو خبز شعير؟
فقال: خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن (4). وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى، ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخيطه، وكان لا يزال ساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى بلا لحمة، وكان يأتدم إذا ائتدم بالخل والملح فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان لإبل، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول: لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات، وكان مع ذلك أشد الناس قوة، وأعظمهم يدا (5).