وإن كان النص مقدما عليها عند التعارض، ولا شبهة في هذه الأحكام عند المحققين من الأصوليين، فلا جرم متى وجد في المسألة دليل على حكم يدل بعمومه أو بإطلاقه وما جرى في مجراهما وجب التمسك به، ولم يجز العدول عنه، فإن المقام إنما يعدل عن عمومه بمخصص، والمطلق بمقيد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يدل على ما ادعيناه وجوه:
أحدها: الأصل، ووجه الاستدلال به أن الأوامر الواردة بالسجود تقتضي جواز السجود على كل شئ، إلا ما ورد المنع منه شرعا، وذلك لأن السجود هو موضع الجبهة على الأرض، وما جرى مجراها في تمكين الجبهة عليه، فاطلاق الأمر به طلب للماهية لا بقيد، فيتحقق الامتثال بالاتيان بها في ضمن أي فرد كان من أفرادها.
ويجب التمسك بهذا الإطلاق لا محالة، إلا في ما دل الشرع على المنع من السجود عليه، فقيد الإطلاق في محل المنع، ويبقى ما عداه على حكمه، كما دلت عليه القوانين الأصولية.
ولا شك أنه لم يرد في الشرع نص يقتضي المنع من السجود على التربة المشوية، فيقتضي تقييد الإطلاق في هذا الفرد، فيكون السجود عليه مجزئا.
وإذا أردت صورة الدليل بخصوصها قلت: السجود على التربة المشوية مأمور به، وكل مأمور به ففعله مخرج عن عهدة التكليف.
وبيان الأولى مما سبق، وبيان الثانية مقرر في الأصول.
فإن قلت: المعروف بين الأصوليين والفقهاء أن الأصل هو البراءة الأصلية، ولا مجال للاستدلال به في الأمور المحتاجة إلى التوقف شرعا.
قلنا: بل الأصل عندهم يقع على معان أربعة، أحدها القاعدة الكلية الشرعية، كما نص عليه المحقق في شرح أصول ابن الحاجب.