بالطهارة وإزالة النجاسة مطلقا، فتكون كلها بعمومها أو بإطلاقها دليلا على ما ذهبنا إليه. والعام والمطلق من الدلائل التي لا راد لها إلا أن يتحقق ما يخص العام أو يقيد المطلق. ومعلوم انتفاؤه في محل النزاع، إلا ما يخطر في الأوهام على خواطر من لم ترض نفسه بمعرفة طرق الاستدلال الفقهية، فتراه يخبط خبط عشواء في الليلة الظلماء، لا يتميز عنده غث ما في يدين من سمينه.
إذا عرفت ذلك فأفصى ما يمكن أن يحتج به من ينازع في هذا الباب أمران:
الأول: إن المحل الملاقي لأحد الشيئين المقطوع بنجاسة أحدهما من غير تعيين لا يبقى على طهارته، لملاقاته ما ألحقه الشارع بالنجس في حكمه، وإذا انتفى الحكم بالطهارة ثبت أما التنجيس أو المساواة للنجس في حكمه، وهو المدعى.
الثاني: أن كلا من الشيئين المشتبهين ثبت له الحكم بالاشتباه قطعا، فوجب اجتنابه لذلك، ومتى ثبت ذلك لزم في الملاقي له مثله وحقية المقدم ظاهرة.
بيان الملازمة: أن ملاقاة أحد الشيئين للآخر برطوبة تقتضي المساواة في الحكم بزوال الطهارة وثبوت النجاسة والاشتباه، وتحقق المساواة في موضع النزاع يقتضي زوال الحكم بالطهارة، وهو المدعى.
على أن العلامة في المنتهى قال ما صورته:
الرابع: لو استعمل الإنائين وأحدهما نجس مشتبه، وصلى لم تصح صلاته ولم يرتفع حدثه، سواء قدم الطهارتين، أو صلى بكل واحدة صلاة، لأنه ما يجب اجتنابه فكان كالنجس. وكذا لو استعمل أحدهما وصلى به لم تصح صلاته، ووجب عليه غسل ما أصابه المشتبه بماء متيقن الطهارة كالنجس، وهو أحد وجهي الحنابلة، وفي الآخر لا يجب غسله، لأن المحل طاهر بيقين فلا يزول بشك النجاسة (1 .